كتب: محمد علي حسن
“إسرائيل تواجه معضلة عسكرية بينما يحشد حزب الله الأسلحة” كتب المحلل الاسرائيلي في صحيفة “هآرتس” الاسرائيلية عاموس هاريل اليوم السبت مقالا تحليليا يقول فيه إن الهجوم “المزعوم” هذا الاسبوع على قافلة صواريخ سوريا موجهة إلى حزب الله كان مختلفًا عن هجمات سابقة، ويمكن أن يفاقم التوترات بين إسرائيل وحزب الله. وهنا ابرز ما ورد في مقاله:
“االحدود الشمالية لإسرائيل اكثر حساسية بكثير في الوقت الحاضر مما قد يستشفه المرء من وسائل الاعلام، واكثر مما يعيه الجمهور. وكان الاعتقاد السائد في الجانب الاسرائيلي حتى الآن هو انه لا يوجد في الشمال اي شيء جديد تحت الشمس. ومرة كل بضعة اسابيع او اشهر، عندما يحاول الرئيس السوري بشار الاسد ان ينقل اسلحة متقدمة الى حلفائه المقربين في حزب الله، يتدخل سلاح الجو الاسرائيلي (وفقا لتقارير اجنبية) ويبدد الخطة. ولأن لدى الاسد الآن اشياء اخرى تشغل باله – وليس اقلها شأنا حرب البقاء القاتلة التي يشنها على قوات المتمردين في بلاده – فان نظام دمشق لا يرد على الهجوم. وسيتظاهر بان ما حدث كان مطراً، كما يحدث في هذا الموسم عادة. وبالنظر الى حقيقة ان اسرائيل ايضاً تتجنب بحزم التعليق على الحدث علناً، فان بوسع الجانبين ان يواصلا التظاهر بان كل شيء روتيني، وبذلك يتجنبان اشتباكاً رأسياً.
أما هذا الاسبوع فقد حدث شيء مختلف. فوفقا لأنباء من لبنان، تم شن احدث هجوم اسرائيلي، مساء الاثنين، في الجانب اللبناني من الحدود. ونفى حزب الله في باديء الامر وقوع الحادث، لكنه اعترف بعد يوم ونصف اليوم بان اسرائيل ضربت في الواقع احدى قوافله.
ونقلت مجلة “تايم” عن مسؤول اسرائيلي رفيع المستوى لم تذكر اسمه ان الهجوم استهدف صواريخ ارض – ارض كانت سوريا تحاول تهريبها الى حزب الله. ونشرت الصحف اللبنانية تقارير مختلفة بشأن عدد من قتلوا في الضربة – تراوحت بين واحد واربعة من رجال حزب الله.
فما الذي يجعل هذه الحالة مختلفة عن تلك التي نسبت الى اسرائيل في السنة الماضية. الجواب هو ان الهدف الاساسي للهجوم هذه المرة كان حزب الله. ولم يتكبد الحزب خسائر وحسب، وانما تم تنفيذ الهجوم نفسه للمرة الاولى داخل لبنان. وعندما ينفذ هجوم في سوريا، في منطقة تحت سيطرة النظام، يكون من الاسهل على الاسد والموالين له ان يعتموا على النتائج. غير ان وسائل الاعلام في لبنان اكثر تمتعا بالحرية ويسارع بعض الصحف، خصوصا تلك المعادية لحزب الله، الى نشر ما تعرفه من انباء. يضاف الى هذا انه على الرغم من ان حزب الله جزء من التحالف الشيعي بقيادة ايران، فان اعتباراته قد تكون مختلفة.
ويبدو انه لم يكن من قبيل المصادفة ان الهجمات السابقة كانت موجهة الى قوافل الاسلحة التي كانت ما تزال على التراب السوري. وقدرة الاسد على المناورة محدودة اكثر من قدرة حزب الله. وقد يكون القرار لشن العملية في لبنان هذه المرة عائداً الى عوامل املت الانضباط: اذ يمكن ان مدنيين كانوا موجودين بالقرب من القافلة عندما كانت لا تزال في الجانب السوري من الحدود، او يمكن انها معلومات استخبارات لم يكن قد تم التحقق منها حتى اللحظة الاخيرة، قبل وقت قصير من توزيعها على مواقع مختلفة في لبنان.
في الماضي، لم يرد الاسد على ثلاث هجمات في اراضيه عزيت الى اسرائيل – قصف المفاعل النووي، واغتيال كل من الشخصية البارزة في حزب الله عماد مغنية والجنرال السوري محمد سليمان. ووقعت الضربات الثلاث كلها قبل وقت طويل من اندلاع الحرب الاهلية في سوريا.
وأعلن حزب الله ان “الكتاب مفتوح” في ما يتعلق بالانتقام لمقتل مغنية في دمشق في فبراير 2008. ومنذ ذلك الحين، احبطت على الاقل 15 محاولة من حزب الله وايران – علما ان الاخيرة تسعى للانتقام لاغتيال علمائها النوويين في عمليات منسوبة الى اسرائيل – لمهاجمة اهداف اسرائيلية ويهودية.
وقد كان احد جهود حزب الله ناجحاً: اذ قُتِل خمسة سياح اسرائيليين وسائق باص محلي في هجوم في بلغاريا في يوليو 2012. لكن في حكم المؤكد تقريباً ان ذلك لم يسو الحسابات من وجهة نظر حزب الله. وكان جهاز الامن الداخلي الاسرائيلي قد اكتشف قبل شهر من ذلك كمية كبيرة من المتفجرات المهنية سي-4 في مخزن في الناصرة.
وتقضي السياسة الاسرائيلية بعدم القيام بعمليات عسكرية واسعة ضد تكديس الاسلحة في اي دولة او منظمة معادية (باستثناء العمليات الوقائية التي قامت بها ضد المنشآت النووية في العراق وسوريا). غير ان حشد حزب الله للاسلحة يفاقم من حدة المعضلة. وفي الشهر الماضي تبين للجنرال أفيف كوشافي، مدير الاستخبارات العسكرية، ان المنظمة الشيعية تملك حاليا اكثر من 100 ألف صاروخ وقذيفة، كما ان هناك مشكلة تتعلق بمدى وقدرات تلك الاسلحة.
ولعل صاروخ “ياخونت” الذي ينطلق من البر الى البحر، هو اكثر ما يثير القلق من بين مختلف الاسلحة التي تواجه اسرائيل على الجبهة الشمالية، فهو يمتاز بدقة التصويب من بعد 300 كيلومتر، ليس فقط ضد السفن البحرية وانما ضد مواقع البنية التحتية على امتداد الساحل الاسرائيلي.
وفي حديثه مع الصحافيين هذا الاسبوع، بعد يوم واحد من الهجوم الذي قيل ان اسرائيل قامت به، قال قائد القاعدة البحرية في حيفا الاميرال إيلي شارفيت ان البحرية تعمل وفق فهمها ان انواعا مختلفة من الاسلحة التي هي في حوزة سوريا انتقلت الى ايدي حزب الله. ويقول الجيش الاسرائيلي انه لا يملك معلومات استخبارية مؤكدة حول نقل صواريخ “ياخونت”، الا ان هجومين على الاقل على ميناء اللاذقية في شمال سوريا العام الماضي، قيل ان سلاح الجو الاسرائيلي قام بهما، كانا موجهين ضد مخزونات من الصواريخ “ياخونت”.
وامتلاك حزب الله لهذه الصواريخ يمكن ان يصيب الحركة البحرية المتوجهة الى اسرائيل بالشلل في اوقات الحرب – وهو سيناريو بدا واضحا خلال اخر عملية قتالية بين الجانبين في العام 2006. وقد هدد الامين العام لحزب الله حسن نصر الله في خطاب له بان منظمته سترد على فرض حصار بحري اسرائيلي اخر على بيروت (كما حدث في الحرب اللبنانية الثانية) باطلاق صواريخ على السفن التي تحاول الرسو في “مواني فلسطين”. ولدى حزب الله بالفعل صواريخ صينية الصنع تطلق من البر الى البحر، استخدمها لضرب مركب الصواريخ الاسرائيلي “هانيت” في العام 2006، وكاد ان يتسبب في اغراقه. واذا كان حزب الله قد حصل على “ياخونت”، فان اسرائيل تنظر الى ذلك على انه مشكلة خطيرة.
ولا يصعب تصور المشهد الذي يجد فيه رئيس الوزراء الاسرائيلي بنيامين نتنياهو نفسه، رغم تحذيراته التي دعا فيها الى توخي الحذر في استخدام القوة العسكرية منذ عودته الى السلطة في عام 2009، لاتخاذ قرار حاسم في هذا الشأن. ولنفرض ان الاستخبارات الاسرائيلية، مثلا، حصلت على معلومات تفيد بتسريب “ياخونت” الى لبنان، وانها مخفية تحت سطح الارض في احد مباني وسط بيروت المأهولة، وهو اجراء معروف لدى حزب الله والحركات الفلسطينية.
هل تزيل اسرائيل التهديد وان كان على حساب اخطاء محتملة تؤدي الى مقتل الكثير من المدنيين، ام انها تأخذ في الحسبان انه حتى في حال نجاح العملية فانها ستؤدي الى انتقام واسع يقوم به حزب الله؟”.
لم يُعثر قط لا على من سلموا المواد ولا على الذين من المفترض ان يستلموه، غير ان تقييم الاستخبارات افاد انها شحنة جرى تهريبها من لبنان عبر قرية راجار، وان الهدف منها عملية اغتيال دونما حاجة الى هجوم انتحاري.
وقد تعززت اجراءات الامن قبل فترة قصيرة فقط، كما ورد في “هآرتس” هذا الاسبوع، حول كبار الشخصيات الاسرائيلية، على اساس ان حزب الها لا يزال يبحث عن فرصة لتنفيذ عملية اغتيال.