وقف الشاب العشرينى داخل قفص الإتهام ، وبتنهيده مسموعه أمتلاء صدره بالهواء ، فى الوقت الذى يمتلئ وجدانه بشعور العزة والكرامة ، ومن خلف القضبان كانت عينيه تتفحص الوجوه ، وكلما تلاقت نظراته مع أحد الموجودين بالقاعة من ضباط أو موظفين ، كانت تخترق عينيه روحهم ، يجول فى خاطر أمنية ان تذوب القضبان ، ولا يحول بينهم وبينه حائل ، يعود للخلف ويسند ظهره على الحائط ، يرفع رأسه وينظر الى سقف القاعة ، يغيب لحظات فى مناجاة سرية ، ثم يعاود النظر إلى القاعة ، تمر اللحظات ثقيلة كانها دهور ، تتثاقل أنفاسه حينما يتذكر صعوبة الركض على رمال الصحراء ، تأبى قدماه أن تلمس الأرض ، يرغب فى تنفيذ مهمته على الأراضى المحتله بدقة وسرعه ، يسارع الزمن الذ ى لم يسبقه أحد ، ينظر إلى السماء ويدعو الله أن يأمر الشمس فتتكاسل عن الشروق ، لا يجب ان تراه العيون ، يجب ان تتم المهمة فى الظلام
يفيق من غفوته والحاجب ينادى “محكمة” بلسان عبرى ، يدخل القاضى بخطوات عسكرية منظمة ، قسمات وجهه لا تحمل أى دلاله عن الحياة ، وكأنه أحد أبطال أفلام “الزومبى” ، لم تغادر عينه قضبان القفص منذ لحظة دخولة للقاعة ، نظرات الغضب والحقد الصفراء تقطر من وجه لا يقل صفره ، يجلس على مقعده ويضع أمامه دوسية أوراق ، ينظر إلى الشاب القابع خلف القضبان وبصوت عالى ينادى عليه ، “حسن خلف” أنت متهم بالتسلل إلى إسرائيل بدون أذن والقيام بعملية إرهابية وقتل مواطنين إسرائيلين ، يبتعد الجسد الضئيل المجهد ، عن حائط القفص ويتحرك فى إتجاه القضبان ، مثقلاً من الآم التعذيب وقلة النوم ، يمسك حسن القضبان بيده ويرفع وجهه ويسلط عينيه فى وجه القاضى ، يضع القاضى يده اليمنى تحت ذقنه فى إشارة إنصات منتظراً الجواب ، يبتسم حسن على غير المتوقع ، تنطلق الحروف من فمه كطلقات الرصاص بل أشد قوة ، يجب قائلاً وحينما دخلتم بطائراتكم وقتلتم الأطفال فى بحر البقر ، هل حصلتم على أذن ….. صاح القاضى فى وجهة بلغة عبرية ” أخرس “.
أيها الشيخ الجالس فى مجلسك بأرض الفيروز ، أرسل إليك برقية عزاء من عاصمة التناحر والحروب الباردة ، اليوم هو ذكرى مجزرة بحر البقر التى أشعلت نيران الثأر النبيل داخل عروقك ، قررت الثأر لأطفال لم تربطك بهم إلا الجنسية المصرية ، فمن ذا الذى يخرج متاجراً اليوم بوطنيتكم ، سيدى المجاهد المحارب ، لن ننسى لحظة ما تعلمناه على يديكم من ولاء ووطنية وعشق لتراب هذه البلد ، لا تهنوا ولا تحزنوا بطولاتكم محفوره فى وجداننا