الإنسان عدو ما يجهل, وأنا كنت من أعداء السبانخ وبعض المأكولات البحرية كالسُبيط, كنت أخشاهم أكثر مما أكره طعهم, كنت أكره طعمهم دون حتى أن أذوق أي منهما, صنعت طعم خيال لهما لنفسي, وتقززت منه جدًا.
وعندما واجهت السبانخ في الثانوية العامة، قررت أن أعطيها فرصة أخرى, أن أتذوقها وألفظ الطعم الخيالي الذي افترضته لها, فوجدت أنها حلوة, طعمها لذيذ بشكل مختلف, اختلاطها بالأرز بالشعرية زاد من عظمتها, تخيل كنت أعتقد يومًا ما أنها بغيضة ومخيفة!!
كنت أستلذ جدًا سماع قراءة القرآن الكريم السريعة بصوت «العفاسي»، أو «ماهر المعيقلي» أو «العجمي».. كنت أجد صعوبة شديدة في سماع الأصوات الرصينة العظيمة كصوت الشيخ مصطفى إسماعيل, أو الشيخ عبد الباسط, أو الذي أصبح أقربهم إلى قلبي الشيخ المنشاوي,كل تلك السنين لم أكن استمتع بالتنوع وبالمقامات وبالأصوات الذهبية, أصبحت أقول «الله» لا إرداية وأنا أستمع لقول الحق, أصبح القرآن يغير من مزاجي المتعكر, بعد أن كنت أسمعه لأحفظ سورة معينة مطلوبة مني في المدرسة, أصبحت أسمعه طلبًا له ذاته, وأدركت أن الله عوض مصر بمقرئين عظام عن أن القرآن لم ينزل فيها.
لأنني أعطيتهم فرصة أخرى, فدخل صوتهم إلى قلبي مباشرة, ولم يخرج من بعدها أبدًا.
منذ سنة كنت أكتفي بسماع القرآن إلى جانب بعض الأغاني القليلة التي تعجبني, والابتهالات التي أصبحت تحتل أذني ليل نهار دون أن أدري متى وكيف؟
بدأت تتسلل أغاني أم كلثوم إلى عالمي, حتى تربعت على عرشه, وأصبحت أسخر من نفسي التي كانت تنكر على هذا الفن عظمته.. وأحمد الله على نعمة التجربة ونعمة التغير.. وتذكرت وأنا أسمعها منذ قليل، أنه لولا أنني أعطيت السبانخ فرصة أخرى وبدأت من بعدها التجربة، لكنت في عداد الموتى الذين لا يتسلل القرآن وكلام الست إلى قلوبهم.