قبل أيام معدودة من نهاية عام ٢٠١٨، شهدت البلاد حادثا إرهابيا تمثل في الاعتداء على حافلة سياحية تقل مجموعة من السائحين الفيتناميين، ما أسفر عن مقتل ثلاثة وإصابة ١٤ فردا من الفوج.
الحادث بدا بدائيا للغاية، ونُفذ باستخدام عبوة بدائية الصنع، ولم تعلن أية جماعة إرهابية مسئوليتها عنه، لكنه بدا بنظر مراقبين محاولة لإثبات الوجود من قبل جماعات تعيش اليوم حالة من فقدان التوازن، نتيجة الضربات الأمنية الاستباقية التي نفذت على مدى شهور العام المنصرم، وكان في مقدمتها العملية الشاملة “سيناء ٢٠١٨” التي انطلقت في فبراير من العام الماضي، ولا تزال مستمرة.
وبالفعل تبدو نتائج العمليات العسكرية والأمنية واضحة بقوة للعيان، فقد تراجع معدل تنفيذ العمليات الإرهابية في البلاد من ٢٢٢ عملية عام ٢٠١٤، إلى ٨ عمليات فقط، بينها ٥ عمليات نُفذت بعبوات ناسفة بدائية الصنع، ومنها عملية أتوبيس “المريوطية”، وقد باءت اثنتان من تلك العمليات بالفشل وتم ضبط مرتكبيها، فيما تم تننفيذ عمليتين ضد معسكرات للقوات المسلحة.
الخسائر الفادحة التي تكبدتها التنظيمات الإرهابية في سيناء، وحرمانها من تعويض خسائرها عبر البحر أو من خلال الحدود الغربية، ضاعفت من مأزقها، ودفعتها إلى استغلال أسلوب “الذئاب المنفردة” والاعتماد على خلاياها النائمة في العمق الداخلي بالوادي والدلتا، في محاولة لإثبات الوجود وبث رسالة إلى الخارج مفادها أن مصر لا تزال بعيدة عن الاستقرار.
هذا الأسلوب في تنفيذ العمليات الإرهابية ربما يتزايد في الفترة المقبلة، وخاصة ضد المصالح السياحية، والمنشآت والتجمعات القبطية، لأن أية عمليات تستهدف هذين الجانبين تحظى بأعلى اهتمام إعلامي على المستوى الدولي، وهو ما تسعى الجماعات الإرهابية لتحقيقه، وبالتالي فإن اليقظة الأمنية، وتطوير الحرب المعلوماتية لاختراق تلك الجماعات واكتشاف خلاياها النائمة، وتوجيه ضربات استباقية موجعة يمكن أن يحرمها من آخر أمل لها، وهو إثبات وجودها من خلال عمليات رمزية محدودة المخاطر وواسعة التأثير.
ورغم النجاح الملموس في ضرب الإرهاب، فإن ذلك لا ينبغي أن يلفتنا بعيدا عن المرحلة الأهم من الحرب، وهي المكافحة الفكرية والثقافية للتطرف والإرهاب، ويبدو هذا الجهد قاصرا للغاية عند مقارنته بما يجري على المستويين العسكري والأمني، والحقيقة أنه بدون هذه المكافحة الفكرية، فإننا سندور في حلقة مفرغة، تماما كما حدث مع موجة العنف والإرهاب التي تفجرت في تسعينيات القرن الماضي، واقتصرت مواجهتها على الضربات الأمنية، الأمر الذي أدى إلى هروب تلك التنظيمات المتطرفة تحت الأرض، وما لبثت أن عادت للظهور بمجرد حالة الاهتزاز التي أصابت الدولة ومؤسساتها عقب ٢٥ يناير ٢٠١١.
إن أردنا حسما نهائيا للمعركة مع الإرهاب فلا مفر من خوض تلك المرحلة الثانية من المعركة، حتي يمكن القول إننا بالفعل على طريق التطهر الكامل من الإرهاب.