لا أعرف كيف ابدأ .. ولا أعرف ماذا أقول
كل ما أعرفه هو ذلك الشعور الذي انتابني فجأة لحظة سماعي النبأ المشئوم
مرت اللحظات ثقيلة .. وكأن عقارب الساعة قررت أن تتوقف عن الحركة لتتأكد هى الأخرى من صحة الخبر
مشاعر متباينة ما بين عدم التصديق والذهول .. أعقبتها لحظات أخرى تمسكنا جميعنا فيها بأمل كاذب .. لحظات لم تدم طويلا
جميعنا .. كنا نتنمى أن يكون الخبر .. اشاعة .. أو معلومات كاذبة وغير دقيقة .. إلا أنه .. حتى أخبارها كانت صادقة مثلها
نعم .. كانت عنوان الصدق .. النبل .. الطيبة .. الاحترام .. الرقى .. والشياكة
كلمات قد تبدو بلا معني فى زمن ردىء .. واشخاصا أكثر رداءة ..
زمن لا يعترف بمشاعر صادقة حقيقية .. لا يفهم معنى الصداقة .. لا يهتم بدموع طفل صغير يحتاج إلى الشعور بالأمان .. ولا يسأل عن عويل وحزن أم على ابنها الذى قتل بقنبلة أو رصاصة غادرة من اناس فقدوا كل معاني الإنسانية ..
زمن .. يتبادل فيه أهله الإهانات والسباب وكأنهم يلقون تحية الصباح .. يخدعون ويسرقون ويقتلون ويفعلون كل المعاصى والشرور ثم يتحدثون عن الاخلاق والتدين وضرورة مكافحة الفساد
زمن لم يكن زمانها .. لذا إنزوت وجلست فى منزلها تشاهد وتتحسر على زمانها
لا أدرى هل كانت تمثل أفضل مما تتحدث .. أم تتحدث أفضل مما تمثل .. كلمة قالتها أمى عنها .. شعرت بها عندما شاهدت أخر لقاءتها مع مجدى الجلاد و الذى اجرته عام 2010
كانت هى نفسها كما هى بلا تغير أو تلون .. بسيطة .. تلقاءية .. محترمة .. راقية .. امرأة من زمن غير زماننا
لم تهاجم احدا .. لم تسب أو تلعن .. تثنى على الجميع تتحدث عن ايجابيات كل شخص وتحاول الابتعاد عن سلبياته
تختار الفاظها بعناية فائقة تليق بها .. حتى وهى تريد التعبير عن مشاعر سلبية تجاه عصر ما
بدا واضحا انها لم تكن تحب الحقبة الناصرية .. عبارة من ثلاث كلمات اوصلت المعنى دون اهانات ” كان فيه خوف “
كانت صريحة عندما تحدثت عن السادات ” حبيته قوى .. لانه رجعلنا الامان وحققلنا النصر .. الستات فى عصره رجعت تلبس دهبها تانى وتروح الافراح ” تفاصيل صغيرة تعكس جوانب فى شخصيتها ..
أما عندما سئلت عن مبارك فقالت دون خوف ” معرفش حتكتبوا اللى حقوله ده ولا لأ .. مش مهم .. بس أنا بحب الراجل ده .. طيب وعنده أصل .. بيهتم بالطفل وبيطبطب على العجوز “
قد تختلف معاها فى اراءها .. أو قد تنظر مثلما يفعل الكثيرون الآن .. لكنها قالت ما يجيش فى صدرها دون خوف أو دون حسابات
كانت تعشق الجمال وكان أشد ما يضايقها هو صورة مصر التى اصبحت سيئة فى الخارج بسبب الاعمال الفنية التى يتم اخراجها فى ذلك الوقت وما تتضمنه من عشوائيات دون ان تدرى ان هذه الصورة التى تتحدث عنها قبل خمس سنوات قد اصبحت أكثر سوء وأكثر سوداوية مئات بل ربما آلاف المرات .. ليس فقط على الشاشات بل فى الواقع المعاش
نعم .. كانت ممثلة تمتهن التمثيل .. مثلها مثل المئات وربما الآلاف .. لكن بالنسبة لى كانت مختلفة
كانت الطفلة ذات الابتسامة الملائكية فى يوم سعيد
والشابة البشوشة خفيفة الدم والحضور وفى موعد غرام
والأم القوية التى تجسد مصر فى أصالتها وصمودها وثباتها وكفاحها فى ليلة القبض على فاطمة و يوم مر و يوم حلو
وست الناظرة ذات الضمير الحى التى لا تخاف الحق والتى اصبحنا فى اشد الاحتياج اليها اليوم في أبلة حكمت
وكانت .. وكانت .. وكانت ..
وبعيدا عن الاكلاشيهات المكررة فارغة المعنى والمضمون .. كانت بالنسبة لي أمي .. جدتي
كانت سيدتي .. وها هى قد رحلت .