لا أحد يدري ماذا يريد الناس من الإسلام هذه الأيام .. وما سر حالة ” الهياج الديني ” التي اجتاحت كل من ” هب ودب ” وأغرته للتنطع على الدين الحنيف ومطالعة الجماهير بـ ” خبطة دينية ” جديدة كأنهم يعملون كل ذهنهم وتركيزهم لتشويه صورة الإسلام وإعادة تفسيره بـ ” نيولوك الجهلاء ” والدين من جهلهم وافتراءاتهم بريء .
وكانت أحدث ” افتكاسة مفتية ” من نصيب طبيب الأطفال د. ياسر برهامي الذي لا ندري سر علاقته بالفتوى التي أصبح فيها نجماً ينافس نجومية تامر حسني في ” أغاني السهوكة “.. حيث تناقلت المواقع الإخبارية فتوى للشيخ برهامي – ربنا يهديه يا رب ويبعد عن الفتوى – منشورة على موقع ” أنا السلفي ” يقول فيها : “يجوز معاشرة الزوجة المستحاضة، وإذا كانت بلا التهابات بكتيرية أو فطرية لم يضر ذلك -إن شاء الله – فلتسأل الطبيبة والأحوط طبيًّا أن يستعمل العازل الطبي”.
جاء ذلك ردا على سؤال ” هل يجوز معاشرة الزوجة المستحاضة ؟ وإذا كان يجوز ذلك فهل يتضرر الزوج من الناحية الطبية أو تحصل له أمراض إذا عاشر زوجته وهى مستحاضة أو تنزل عليها إفرازات مستمرة؟
وطبعاً مع خالص الاحتقار لصاحب السؤال فإن المثير في الأمر فتوى برهامي التي أثارت حالة من الجدل في كافة الأوساط بدرجة فاقت أحاديث بعض الجهلاء الذين سمحوا لأنفسهم بالاجتراء على الدين تحت ذريعة تطوير فهم الخطاب الديني من عينة عيسى وميزو وغيرهم من الباحثين عن الشهرة عبر التنطع على الدين .
بطبيعة الحال لم يقف رواد مواقع التواصل الاجتماعي “فيس بوك” و”تويتر” مكتوفي الأيدي من هذه الفتوى المثيرة لـ ” عم برهاني ” كما لقبه بعض النشطاء واخترنا من بعض تعليقاتهم الآتي:
أحمد : هي خلاص يعني حبكت ما يستنى كام يوم
خالد : مش عارف هي خلاص الناس كلها ما بقيتش تدور في الدين غير عن الحاجات دي
عادل : يا برهامي بيه اللي بتطلبه ده عيب وحرام
منى : لعن الله السائل والمسئول
خيرالله : بجد احنا بنقرأ ونسمع اليومين دول حاجات في منتهى “……..”.
والواقع فإن المصريين اعتادوا على ظهور فتاوى صادمة تطلقها رموز دينية أشبه بنجوم الفن فتستحوذ على نقاشاتهم وتثير اندهاشهم وتدخلهم في جدل لا ينتهي حول مدى معقولية هذه الآراء التي تبدو في منطوقها شاذة بعد عمليات الدبلجة والمونتاج ووضعها في سياق غير الذي أريد له.
فخلال الأيام القليلة الماضية خرج “نجم الفتاوى” القطب السلفي د. ياسر برهامي بأكثر من فتوى كادت تذهب عقول كل من سمعها، وكان أحدث هذه الآراء الغريبة ما قاله حول عدم تأثيم من يعجز عن دفع جريمة الاغتصاب عن زوجته إذا كان في ذلك هلاك للزوج.
وبطبيعة الحال كانت الفتوى صادمة لملايين المصريين الذين يتمسكون بالعادات والخصال التي تحث على الحمية والشهامة والمروءة ويعتبرون الموت دفاعاً عن أعراضهم استشهاد أشرف كثيراً من الحياة إذا عجزوا عن صون وحماية زوجاتهم.
ويفسر الكثيرون ردود الأفعال هذه تأثيرات إيجابية مبهرة تؤكد أن معدن المصري الأصيل مازال محتفظاً بنصاعته ولم يتلوث، وكان من أكثر دواعي الفخر ما قاله كثير ممن ناقشناهم في هذه القضية حيث أكدوا بتلقائية فورية: ” يعني الواحد فينا لو معاه زوجته أو أمه أو أخته أو بنته وتعرضت لموقف زي ده يسيب الحيوانات تنهش أعراضهن ويودي وشه الناحية التانية .. يا أخي ده حتى لو هي ما تقربلهوش بأي صلة قرابة مستحيل يسيبها ويعمل مش واخد باله”.
وهناك وجهة نظر ترى أن كل ما يقوله طبيب الأطفال ياسر برهامي إنما ينطلق من أحكام الشريعة وآراء كبار الفقهاء لكن الأزمة في ظاهرة الاستدراج والاستنطاق التي ينساق خلفها برهامي والتي تتمثل في طرح أسئلة مفخخة يكون الرد عليها بطريقة تدعو للالتباس والشبهة.
الملاحظ في جميع هذه الحالات أنها استنفرت الدماء الساخنة لدى المصريين التي تنطلق من “العرق الصعيدي” المعروف عنهم والذي يكتسبونهم من قيم الشهامة والمروءة و”الحمشنة” و”الجدعنة” على نحو يتخطى في كثير من الأحيان أحكام الشريعة الإسلامية التي تراعي عدة جوانب نفسية وإنسانية وصحية واجتماعية تقترن بصفات البشر ومن بينها الضعف والخوف والحرص على الحياة.
وعلى سبيل المثال في حالة اغتصاب الزوجة أمام زوجها فإنه من المفترض أن يكون الخاطفون عدة مجرمين ومن الطبيعي أنهم سيكونون مسلحين وكما هو منطقي سيبدأون بتلقين الرجل علقة ساخنة تعجزه عن الدفاع عن زوجته أو على الأرجح ستفقده وعيه.. وفي هذه الحالة بكل تأكيد سيعجز الزوج عن الدفاع عن زوجته فهل في ذلك إثم .. الإجابة الطبيعية : ” لا لإثم على الزوج إذا عجز عن الدفاع عن زوجته أو واجه القتل والهلك في سبيل ذلك “.
أما في الفتوى الثانية أيضاً فإن د. برهامي ربما لم ينطق بما يخالف أحكام الشرع في ثبوت جريمة الزنا وكلنا نعلم حكم “دخول المرود في المكحلة ” والأربعة شهود الذي يؤيد وجهة نظر تحفظ الشرع في الاتهام بهذه الجريمة الحقيرة.