لَيسَ البَلِيَّةُ في أَيّامِنا عَجَباً، بَلِ السَلامَةُ فيها أَعجَبُ العَجَب، لَيسَ الجَمالُ بِأَثوابٍ تُزَيِّنُنا، إِنَّ الجَمالَ جَمالُ العَقلِ وَالأَدَب، لَيسَ اليَتيمُ الَّذي قَد ماتَ والِده، إِنَّ اليَتيمَ يَتيمُ العِلمِ وَالأَدَبِ، هكذا قال الإمام على بن أبى طالب، كرم الله وجهه، عن اليتم واليتامى، وهو ما يقترب مما قاله أمير الشعراء، أحمد شوقى ليس اليتيم من انتهى أبواه من همّ الحياة وخلّفاه ذليلاً، إن اليتيم الذي تلقى له أُماً تخلت وأباً مشغولا، إذن، فإن فقد الأب في سن مبكرة، ليس هو اليتم، من وجهة نظر ابن أبى طالب وشوقى، ولكنه الحرمان من العلم والأدب، برأى الأول، وبرأى الثانى، انشغال الأبوين، وتخليهما عن ابنهما، حتى ولو كانا من الأحياء أقول هذا، بمناسبة الاحتفال بيوم اليتيم، الذى نحتفل به خلال أيام، في محاولة لوضع تعريف حقيقى وواقعى لليتم، حيث تتعمد وسائل الإعلام تحويل هذا اليوم إلى “يوم للمأساة والحزن واستدرار العطف واصطناع الحنان”، بدلا من بث الأمل والحياة في نفوس من فقدوا الأب مبكرا، فالواقع يؤكد أن كثيرين ممن لم تحرمهم الأقدار من آبائهم، في سن طفولتهم، وتمتعوا بكل وسائل الرفاهية، في مراحل حياتهم، على اختلافها، لم يحققوا إلا فشلا تلو الفشل، وإخفاقا تلو الإخفاق، فيما خلد التاريخ ذكر أيتام، لم يستسلموا لظروف إنسانية صعبة، ولم ينتظروا إحسانًا من أحد، يلتقط إلى جوارهم صورا تذكارية منافقة، بل تجاوزوا الصعوبات، وحققوا المستحيل، فمحمد، صلى الله عليه وسلم، أبصر النور يتيما “ووجدك يتيما فآوى”، والزبير بن العوام، وأبو هريرة، وعمرو بن سعد، رضى الله عنهم،، كانوا يتامى، والإمام مالك بن أنس، إمام دار الهجرة و صاحب المذهب المالكي، كان يتيما ، والأئمة الشافعى وأحمد بن حنبل والغزالى، كانوا يتامى، والبخارى وابن حجر العسقلانى، وسفيان الثورى، أعلم أهل زمانه، والسيوطى، والأوزاعى، وابن الجوزى، ذاقوا مرارة اليتم، والفقيه الدستورى الأبرز مصريا وعربيا، عبد الرازق السنهورى، كان يتيما، والمناضلان الفلسطينيان أحمد ياسين وياسر عرفات كانا يتيمين، والشاعران الكبيران أبو الطيب المتنبى وحافظ إبراهيم، كانا يتيمين، و لم يستسلم كل من: صقر قريش عبد الرحمن الداخل، الذى أسس دولة إسلامية قوية فى الأندلس، وعماد الدين زنكى، وطارق بن زياد، لمحنة اليتم ، كما تضم قائمة عظماء اليتامى، عددا من السياسيين الأبرز عالميا، مثل: محرر أمريكا اللاتينية سيمون بوليفار، ومؤسس الاتحاد السوفيتى جوزيف ستالين، ومؤسس إمبراطورية المغول جنكيز خان، والألمانى جيرهارد شرودر، والأمريكى بيل كلينتون.. ، وتضم القائمة كثيرين جدا، ممن أثروا الحياة وأضافوا إليها، وكتبوا أسماءهم بأحرف من نور، لذا فيجب علي المعنيين بعيد اليتيم، خاصة المخلصين منهم، أن يرسخوا فى نفوس اليتامى، أنهم ليسوا بشرا ناقصين أو عاجزين أو غير مؤهلين لمجابهة الحياة، وأن نعلمهم دروسا من قصص الأيتام الذين صاروا عظماء وكبارا، حتى يقتدوا بهم، ويصيروا مثلهم.