لا زال تاريخ وجود الإنسان على هذا الكوكب لغزا؛ فكل يوم يُكتشف الجديد عنه. وبخلاف نظرية التطور، ورجوع أصل الإنسان إلى الشمبانزي أو “إنسان أفارينيسيس”، اكتشف العلماء أن الإنسان الموجود على الأرض حاليا ليس هو الإنسان الأول، وأن هناك إنسانا آخر يسمى “إنسان نياندرتال” كان يعيش في الجزء الشمالي من الكرة الأرضية، يختلف عن الإنسان الحالي في مجموعة أشياء، حيث كان قصيرا نسبيا وأقوى في بنيته، وصاحب جمجمة أكبر وعينان أوسع، لكنه كان بطئ الحركة ولو جرى يبدوا وكأنه يترنح.
ولقد عاصر الإنسان الحالي “هومو سابينس” هذا النوع الآخر “إنسان نياندرتال” لفترة تقترب من 15 ألف سنة، لكن الأخير انحسر على نفسه، وظل ينزح إلى جنوب غرب أوروبا، حتى انتهى وانقرض في منطقة مضيق جبل طارق، جنوب إسبانيا. في حين نزح الإنسان الحالي “هومو سابينس” من موطنه الأصلي في شرق أفريقيا، وانتشر في آسيا وأوروبا، وسيطر على العالم.
في مثل هذا اليوم 4 سبتمبر من عام 2014، أعلن عُلماء آثار اكتشافهم أقدم عملٍ فنيٍّ تجريديٍّ يُنسب إلى إنسان نياندرتال في كهف گورام البحري بجبل طارق… والسؤال اليوم في 2015: كيف يحافظ الإنسان على وجوده من الانقراض، ولا يتعرض لما جرى لأخيه “نياندرتال”؟
لست عالما في الجيولوجيا أو علم الأجناس أو أو أو، ولكني أستطيع أن أرصد ما جرى للعالم – ليكن 4 سبتمبر “ذكرى اكتشاف العمل الفني المنسوب لنياندرتال” نموذجا- وأقارنه بأسباب انقراض نياندرتال؛ لأخرج بنتائج حول كيفية الحفاظ على جنسنا البشري من الهلاك.
ضمن الأسباب المرجحة لهلاك نياندرتال، هو أنه كان يأكل بعضه ” آكل للحوم البشر”، أي أنه كان يبيد نفسه بيده… وفي نفس يوم اكتشاف حفرية نياندرتال في جبل طارق “4 سبتمبر 2014″، أعلن تنظيم القاعدة تأسيس فرع جديد له في شبه القارة الهندية، أي تأسيس فرع جديد للقتال والموت وإبادة الإنسان لأخيه الإنسان… وفي نفس اليوم من عام 1899، رفع الجيش المصري الرايتين المصرية والبريطانية فوق قصر حاكم السودان، بعد إبادته لقوات التمرد المهدي… وهذه أهم نقطة للحفاظ على البقاء “لا تقتل نفسك أيها الإنسان، تحت أي مسمى”.
ضمن الأسباب المرجحة لانتصار الإنسان الحالي على “نياندرتال”، أنه انتظم في مجتمعات أكبر عددا وأدق تنظيما… وفي مثل هذا اليوم من عام 1953، انعقدت الدورة الأولى لمجلس الدفاع العربي المشترك في القاهرة… وهنا فائدة وهي أن التكتلات الكبرى تستطيع الصمود والحفاظ على نفسها أكثر من غيرها. أيها الإنسان لا تعش وحيدا. أيتها الدول لا تنعزلي وتتقوقعي.
هذه التكتلات الكبرى لابد أن تتواصل، وتتعاون فيما بينها لصد أي هجمات كونية ضد الجنس البشري كله… وفي مثل هذا اليوم من عام 1998، تأسس محرك البحث “جوجل” على يد سيرجي برين ولاري بايج… الفائدة أن الإنترنت وسيلة لجمع قلوب وعقول العالم على أهداف مشتركة… أيتها الأمم والشعوب، في التواصل تراحم وتكاتف.
تنظيم المجتمعات يحتاج عدلا بين أبناءها، يلغي أي تمييز طبقي أو عنصري… وفي مثل هذا اليوم من عام 1952، ألغى مجلس قيادة الثورة في مصر الألقاب المدنية “باشا، بك، أفندي”… وضمن السمات التي تميز الإنسان أنه يعترض بشكل راق على كل ما يهدر حقه، ولا يكون اعتراضه على الظلم أداة لظلم نفسه أكثر، كما جرى في الإضراب العام الذي نظمه 350 ألف عامل في السويد، والذي انتهى في مثل هذا اليوم من عام 1909 بخسائر أكبر للعمال؛ بفصل ما يقرب من 20 ألف من وظائفهم، وانشقاقات كبرى في صفوف النقابات العمالية، أدت إلى استقالة نصف أعضائها وانضمامهم إلى المنظمة المركزية الأناركية للعمال هناك.
ضمن عوامل انتصار الإنسان الحالي “هومو سابينس” على إنسان “نياندرتال” أنه كان أكثر إبداعا في التعامل مع الظواهر الكونية، ولذلك فإن رعاية العلم وتشجيع الإبداع، ضمن أهم ضمانات حفاظ الإنسان على بقائه… علينا أن نشجع أناسا مثل جورج إيستمان، الذي سجل الماركة التجارية “إيستمان كوداك” باسمه في مثل هذا اليوم من عام 1888. وستانفورد مور، عالم الكيمياء الحيوية الأمريكية، المولود في مثل هذا اليوم من عام 1913، والحاصل على جائزة نوبل في الكيمياء عام 1972. و شينيا ياماناكا، الطبيب الياباني المولود في مثل هذا اليوم من عام 1962، والحاصل على جائزة نوبل في الطب عام 2012… وغيرهم.
“4 سبتمبر” يبعث برسالة للعالم مفادها، أن بقاء الإنسان على هذه الأرض، يرتبط بـ3 أشياء، وهي
1- وقف الاقتتال والحروب
2- اندماج المجتمعات في كتل كبيرة، ووضع نظام عادل لأفرادها يضمن حقوقهم وواجباتهم.
3 – تشجيع العلم والابتكار.