10 أشهر من الجدل شهدتها المحاكم والشوارع المصرية، لتحديد «جنسية» جزيرتي تيران وصنافير بالبحر الأحمر، بدأت باعتراف الحكومة في القاهرة بأحقية المملكة في الجزيرتين، ضمن اتفاقية تعيين الحدود البحرية بين مصر والسعودية، وانتهت بصدور بقرار المحكمة الإدارية العليا، التابعة لمجلس الدولة المصري، ببطلان التوقيع على الاتفاقية لتعود القضية برمتها إلى نقطة الصفر.
ورغم قيام الحكومة المصرية بإرسال نصّ الاتفاقية قبل أيام إلى مجلس النواب للتصديق عليها، باعتبارها من أعمال السيادة التي يختصّ بها البرلمان ومن بعده رئيس الدولة، إلا أن المحكمة كان لها رأي آخر، مفاده أن «الاتفاقية تعتبر تنازلًا من مصر عن جزء من أرضها»، وأن الدستور والقانون المصريين حظرا إبرام أية معاهدة يترتب عليها «التنازل» عن أي جزء من إقليم الدولة أو مخالفة أي مبدأ دستوري، فضلًا عن أن حظر التنازل لا يقف عند سلطات الدولة فحسب، وإنما يمتد إلى الشعب. بحسب المحكمة.
قرار المحكمة الإدارية العليا هو قرار نهائي غير قابل للطعن أو الإيقاف؛ دفع خبراء قانونيين وسياسيين مصريين لرسم سيناريوات جديدة لإنهاء الملف، تبدأ بفتح القضية مجددًا داخل دور قضائية مصرية أخرى، عبر إقامة دعوى منازعة اختصاص ضد المحكمة التي أصدرت الحكم، باغتصاب سلطات مجلس النواب، مرورًا بمصادقة مجلس النواب عليها أو عرضها للاستفتاء الشعبي للموافقة عليها أو رفضها، وانتهاءً بلجوء المملكة للتحكيم الدولي حلّ تعثر أو فشل أي من هذه المسارات.
السيناريو الأول .. الاحتكام إلى المحكمة الدستورية
من جانبه، ورغم اعترافه بأن هذا الحكم نهائى ، اعتبر الرئيس الأسبق لمجلس الدولة المستشار محمد حامد الجمل الحكم متناقضًا مع الدستور والقانون الذي يقرّ بعدم اختصاص القضاء الإداري المصري بالنظر فى دعاوى أعمال السيادة التي تشمل الاتفاقيات الدولية مثل اتفاقية تعيين الحدود بين مصر والمملكة.
الجمل أكّد كذلك أن الحكومة المصرية يمكنها الطعن مجددًا أمام محكمة الأمور المستعجلة لوقف تنفيذ هذا الحكم، وكذلك أمام المحكمة الدستورية، باعتبار قرار الإدارية العليا ، مخالفة صريحة للدستور.
غير أن خبراء قانونيين آخرين اعتبروا أن فرص الحصول على قرار من المحكمة الدستورية بعدم اختصاص القضاء الإداري بالنظر في أمر من أعمال السيادة تبدو ضئيلة ولا يعول عليها، بعد أن قطع حكم الإدارية الطريق عليها باعتبار الأمر “تنازلًا عن جزء من أراضي الدولة”.
السيناريو الثانى .. حسم برلمانى مصرى
سيناريو آخر طرحه المستشار الجمل، عبر مطالبته مجلس النواب بتولي مسألة دراسة اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع السعودية ومدى سلامتها والالتزام بها رغم صدور هذا الحكم ونظيره السابق، باعتبار أن البرلمان هو أعلى سلطة تشريعية في مصر وله الكلمة الأخيرة في تلك القصة.
غير أن التصريحات التي خرجت من داخل مجلس النواب، تجنبت الإفصاح عما يمكن أن يقابل به المجلس حكم المحكمة، إذا ذهبنا مع الرأي القائل بأن المحكمة تعدت على اختصاصاته، وحرص النائب بهاء الدين أبوشقة – رئيس اللجنة التشريعية بالمجلس – على تأكيد أن المجلس «سيتعامل مع ملف جزيرتي تيران وصنافير وفق الدستور والقانون، والمقتضيات القائمة»، رافضًا – فى الوقت ذاته – التعليق على حكم الإدارية العليا.
وفى نفس السياق ، أكّد ائتلاف دعم مصر – كتلة الأغلبية بالبرلمان- أن الدستور قرر مبدأ الفصل بين السلطات، وأوجب على جميع السلطات احترامه، وأن مجلس النواب يراعى هذا المبدأ ويحرص عليه، وسيكون المجلس حريصًا على ممارسة دوره الدستوري في نظر الاتفاقيات الدولية ولن يفرط فيه.
وجدد الائتلاف التأكيد على أن صدور هذا الحكم لا يغير من حقيقة أن الاختصاص الدستوري، سواءٌ بتقرير طريقة إقرار الاتفاقية أو إقرار لكونها مخالفة لأحكام الدستور، أو أنها تتضمن تنازلًا عن الأراضي المصرية، مؤكدًا أن هذا الاختصاص الدستوري منوط بالبرلمان، ليقرر ما يراه في هذا الشأن، قائلًا: «القول الفصل في النهاية سيكون للنواب، الممثلين عن الشعب».
السيناريو الثالث.. اللجوء للتحكيم الدولي
وفي حال فشل أيّ من الاحتمالان «الأول والثاني» في حل تلك الأزمة، تحدث خبراء قانونيون مصريون أيضًا عن إمكانية لجوء الرياض والقاهرة معًا إلى التحكيم الدولي، عبر طرق أبواب محكمة العدل الدولية في لاهاي بهولندا، لكونها جهازًا قضائيًّا رئيسيًّات للأمم المتحدة.
وفي هذا الإطار، أكّد خبير القانون الدولي، الدكتور محمد عطا الله، أن اللجوء لمحكمة العدل الدولية لا بد أن يكوم من الطرفين معًا وبموافقتهما، وفي هذه الحالة سيكون قرار التحكيم الدولي ملزمًا للطرفين (مصر والسعودية).
وأكّد «برهام عطاالله -خبير القانوني الدولي بمصر- بأنه يحق للسعودية، اللجوء للتحكيم الدولي للفصل في اتفاقية ترسيم الحدود بينها وبين مصر إذا أرادت ذلك، ولكن الأمر يتطلب موافقة مصر أيضًا.
وتعمل محكمة العدل الدولي على حلّ النزاعات القانونية المقدمة إليها من الدول، وفقًا للقانون الدولي، وتقدمة آراء استشارية في المسائل القانونية، حيث تتكون من 61 قاضيًا منتخبًا لمدة 9 سنوات من قبل الجمعية العامة للأمم المتحدة ومجلس الأمن.