على بعد ٢٧٠ كيلومترًا من القاهرة تقع قرية “البهنسا”، أو كما يطلق عليها أساتذة الآثار “مدينة الشهداء”، لأنها تضمّ عددًا كبيرًا من القباب والأضرحة التى تنسَب إلى الصحابة والتابعين والعلماء الذين زاروا المدينة، علاوة على مقابر شهداء “جيش الفتح الإسلامى” للصعيد، الذين قُتلوا فى المعارك التى دارت بين المسلمين تحت قيادة قيس بن الحارث المرسل من فاتح مصر عمرو بن العاص، وحامية المنطقة الرومانية، التى قاومتهم بشدة، مما كان سببًا فى سقوط عدد كبير من القتلى.
هذا الطابع الدينى وما يحيط بالمكان من هالات قدسية، كان سببًا لتردُّد آلاف الأشخاص للتبرك بالأولياء.
فوسط كل هذه الأماكن المقدسة، تقع منطقة “السبع بنات” التى تقصدها النساء الراغبات فى الإنجاب من جميع أنحاء الصعيد، بخاصة اللائى لا يمتلكن أموالًا لتلقى العلاج أو اللائى يؤمنّ بالخرافات، علاوة على أن المنطقة بدأت بالفعل، منذ ما يقرب من ثلاثة أعوام، فى استقبال وافدين أجانب لنفس الغرض، الإنجاب.
صباح يوم الجمعة من كل أسبوع، يأتى إلى منطقة “السبع بنات” ما يقرب من ٤٠٠ سيدة يكون معظمهن من نساء القرى الباحثات عن علاج للعقم، من أجل الدحرجة و”التمرمغ” فى الرمال بدعوى التبرك بالمنطقة.
فالمرأة تنام على جنبها الأيمن أمام سيدة مسنةّ يسمونها “البركة”، تدفعها من أعلى كثبان الرمال بالقرب من قباب السبع بنات، ويتم تكرار هذا العمل من مرة إلى سبع مرات، وأغلب من يقُمْن بهذا الأمر يفقدن الوعى للحظات.
ما إن تنتهى المرأة من “التمرمغ” فى الرمال، تصطحبها سيدة أخرى إلى إحدى الآبار المجاورة للقباب لتخطو عليها “سبع مرات”، وفى المرة الأخيرة، ترشّها السيدة المسؤولة عن البئر بالمياه على وجهها، وتطلب منها أن تجلس، وتدعو لله، وتطلب من “السبع بنات” أن تدعو لها أن تُرزَق بمولود.
وقالت العجوز “البركة” إن المنطقة تستقبل كل يوم جمعة النساء الراغبات فى الإنجاب، ليتدحرجن فى المنطقة حتى يرزقهن لله الأطفال، مضيفة أن مِن النساء مَن ترفضهن “السبع بنات”، ولا يستطعن التدحرج مهما فعلن.
العجوز أكدت أن النساء اللائى ينجحن فى التدحرج ستقف إلى جوارهن “السبع بنات”، حتى يستطعن الحمل، مشيرة إلى أن المنطقة كانت تستقبل أعدادًا كبيرة من السائحات، وكُنّ يفعلن نفس الشىء من أجل الحصول على الأطفال.
وأضافت “البركة” كنا نستقبل نساء من السودان ونيجيريا وإندونسيا والمغرب والصومال، كما كنا نستقبل طالبات الدول الإفريقية اللائى يدرسن فى الأزهر الشريف، وكنا نراهن يتدحرجن ويتمرمغن فى الرمال من تلقاء أنفسهن، ولكن منذ قيام الثورة لم نشاهد سائحً واحدًا فى هذه المنطقة.
وعلى بعد ٢٠ مترًا تقريبًا من المنطقة، تجلس سيدة لا تتجاوز سنهّا الخمسين، تفعل نفس ما تفعله “البركة”، باختلاف أن العجوز تدفع النساء، أما هى فتدفع حديثى الزواج من الشباب، الذين يعانون من نفس المشكلة.
كبير مفتشى الآثار بمنطقة البهنسا سلامة زهران قال عن “السبع بنات” إنهن سبع نساء مقاتلات دخلن مع الصحابة الذين أتوا إلى البهنسا فى زِىّ فرسان، وحينما فُتحت المدينة، التابعة الآن لمحافظة المنيا، وانتصر المسلمون فيها أطلقت هؤلاء البنات الزغاريد، فعرف أهل المدينة أنهن نساء.
زهران أضاف “الرواة قالوا إنهن كانوا سبعًا أو سبعين أو سبعمئة، ولا يعلم عددهن إلا لله، ولكن ثلاثًا منهن دُفِنّ فى أماكن متجاورة، وعلى بعد خطوات من مقام أكبر يحتضن باقى النساء، وفى الجهة المواجهة لتلك المدافن توجد منطقة “مجرى الحصى” وهى عبارة عن أرض مليئة بالحصى المختلط بدماء هؤلاء الشهيدات، كما يروى.
وحول ذهاب النساء إلى هناك والتمرمغ فى الرمال من أجل الحمل قال زهران “هناك اعتقاد موروث من النساء أن المرأة العاقر بمجرد زيارتها هذا المكان وتمرمغها فى الرمال والتخطية على البئر الموجودة فإنها سوف تحمل”، معتبرًا أن “نجاح إحداهن فى الحمل لا علاقة له بالطقس المتبَع، ولكن من قبيل الصدفة، ولا شىء غيرها”.
اقرأ أيضًا: تعرفى على إيجابيات الحمل بعد سن الأربعين
أحمد صبحى