بدأ العد التنازلي بتركيا لاختيار البرلمان الجديد الأحد المقبل و الذي سيحدد معالم الحكومة الجديدة التي ستقود تركيا على مدى السنوات الأربع المقبلة ، وسط حالة من الاستقطاب الحاد بسبب تزايد الخلافات السياسية الناجمة عن سياسات حزب العدالة والتنمية الداخلية و المتمثلة في التضييق على الحريات بالاضافة الي اتهام المعارضة لاردوجان بالفساد المالي، أو السياسات الخارجية و التي لا تحظى بقبول شعبي مثل دعم الميليشيات المتشددة في سوريا والوقوف وراء جماعة الإخوان المسلمين في عدد من دول بالمنطقة مما أدي لنشوء خلافات بين تركيا و هذه الدول .
و كان لهذا التوتر الذي يسود البلاد أثره الواضح في انخفاض شعبية الحزب الحاكم بالبلاد و هو حزب “العدالة والتنمية ” برئاسة و الذي يواجه المعركة الأشرس له في الانتخابات البرلمانية القادمة و المزمع عقدها في السابع من يونيو .
و بالرغم من ان الدستور التركي يمنع الرئيس من العمل الحزبي إلا أن رجب طيب أردوجان يعمل على دفع حزب العدالة والتنمية للفوز بأغلبية تتيح له الكثير من الصلاحيات ، حيث بدأ يقود بنفسه حملة مفتوحة شملت عدة خطابات يومية من أجل تغيير الدستور ، وكرر في خطاباته مقولة إن النظام الحالي “عقبة أمام التغيير” ويجعل من تركيا “سيارة توشك ان تتعطل بسبب فراغ خزانها” مؤكدا على “ضرورة منح الحزب الذي يدافع عن النظام الرئاسي 400 نائب” .
ومن أجل نجاح مساعي أردوجان فانه يحتاج إلى فوز العدالة والتنمية بثلثي مقاعد النواب اي (367) مقعد من أصل (550) مقعد، بحيث يمكنه أن يقر منفردا التعديلات التشريعية التي تعزز سلطات الرئيس أو أن يحصد 330 مقعدا ليمكنه طرح المسألة في استفتاء .
وبحسب الدستور التركي فإن كل حزب لا يحصل على 10% من أصوات الناخبين يحرم من دخول البرلمان، وتوزع الأصوات التي يحصل عليها على الأحزاب التي تجاوزت هذه النسبة ، الأمر الذي من شأنه أن يرفع أعداد نواب الاحزاب الأخري بشكل كبير.
و بخلاف عقبة عدد المقاعد التي يحتاجها أردوجان ، فإنه يواجه عقبه تعد من أهم العقبات و التي قد تحول دون فوز حزبه بالأغلبية و هي تنامي نفوذ حزب الشعوب الديمقراطية الكردي و هو حزب سيدخل عبره الأكراد للمرة الأولى الانتخابات البرلمانية تحت غطاء حزبي وليس كمستقلين.
و تعلق أحزاب المعارضة التركية الآمال على نجاح حزب الشعوب الديمقراطية الكردي بتجاوزه نسبة ال 10% من أصوات الناخبين، ليتمكن من التمثل في البرلمان ، ليصبح هذا الحزب الجديد أشرس المنافسين للحزب الحاكم – الأوفر حظا بالفوز بالانتخابات – و لاسيما بعد عجز قوى المعارضة التقليدية عن الفوز بأي استحقاق انتخابي منذ عام 2002.
وتشير استطلاعات الرأي إلي أن فرص فوز الحزب الكردي كبيرة في الحصول على نسبة الـ10% اللازمة لدخول البرلمان، مع توقعات بأن يحصل الأكراد على 70 مقعدا، مما يعني عمليا استحالة حصول العدالة والتنمية على 330 مقعدا.
كما اشارت الكثير من الاستطلاعات الي تراجع نسبة التصويت للحزب الحاكم لما بين 40 و42% ، بعد ان وصلت لنسبة 50% في الانتخابات التشريعية عام 2011 .
ويرى مراقبون أن تنامي نفوذ الأحزاب السياسية خاصة التحالف الثلاثي الذي يتشكل بين أحزاب الشعب الجمهوري اليساري (أكبر الأحزاب المعارضة) وحزب الحركة القومية و “حزب الشعب الديمقراطي الكردي” ، بالإضافة الي تراجع شعبية الحزب الحاكم هي السمة المميزة لهذه الانتخابات ، مؤكدين أنه في حال فشل العدالة و التنمية في تأمين الأغلبية في هذه الانتخابات “فإن الساحة التركية ستشهد ولادة أحزاب جديدة من خاصرة الحزب الحاكم و ان اردوجان سيصبح مضطرا إلى تشكيل حكومة ائتلافية .
جدير بالذكر ان الرئيس التركي كان قد أعلن ي وقت سابق أنه في حال فوز الحزب الحاكم في الانتخابات المقبلة سيقوم بتمرير تعديلات دستورية جديدة سيكون لها أكبر الأثر على مسيرته ليتم التحول التدريجي من نظام حكم برلماني إلى نظام رئاسي يتولى الرئيس فيه الصلاحيات الأوسع .
و كان قد سبق لأردوجان العمل على تعديل الدستور المعمول به منذ انقلاب عام 1980، لكن اللجنة البرلمانية التي كُلفت بذلك والمكونة من عدة أحزاب أخفقت في التوافق على صياغة التعديلات ليعلن أردوجان في برنامجه الانتخابي اثناء ترشحه للرئاسة ان يريد تعزيز سلطات الرئاسة مضيفا أنه يتوقع أن يقترح حزب العدالة والتنمية – الذي كان يتزعمه وقتها – دستورا جديدا بعد الانتخابات البرلمانية .
على الجانب الآخر يخشى أنصار المعارضة من هذا التعديل في أن يستخدم أردوجان منصبه في تشديد قبضته على السلطة السياسية وهو ما قد يعرض الساحة السياسية للخطر مع تزايد قمع الحريات ، و لاسيما بعد تزايد الاحتجاجات المناهضة لحكومته و التي تم قمعها بصرامة العام الماضي بالاضافة الي مزاعم الفساد التي شابت اردوجان في الأشهر الأخيرة بسبب قصر رئاسة الجمهورية التركي الجديد، المعروف بالقصر الأبيض، والذي تكلف مليارًا و370 مليون ليرة تركية في أنقرة، “615 مليون دولار”، و الذي يستخدمه أردوجان مقرًا لأعماله في إسطنبول.