صوفيا، اللبنانية الفاتنة ذات الـ 28 ربيعاً، التي أبى المرض أن يتركها تُكمل فصولها الأربعة، هي محور رواية الروائي الشاب محمد حسن علوان، بل هي محور كون «معتز»،راوي القصة ، لمدة تزيد عن الشهرين قليلا.
هي فتاة مسيحية جميلة تعاني من مرض السرطان في مرحلة متأخرة منه، يفاجئها ذات صباح خطاب من طبيبها يطلب منها الحضور للمكوث بالمشفي لتلقي العلاج، وإن لم تفعل سيلتهمها المرض بعد ثلاثة أشهر..
لم تأبه صوفيا للهجة الترهيب الواضحة في الرسالة وقررت مواجهة الموت بشكل أكثر جمالا مما يتوقع؛ فأحضرت رزنامتها وفرطت أوراق الـ3 أشهر القادمة وكتبت أمنية على ظهر كل ورقة، كانت أمنيتها الأولى أن يحضر «معتز»_الشاب السعودي الذي تربطها به صداقة في حياة إفتراضية عبر الإنترنت_ ليعيش معها ما تبقى من أيام حياتها.
يتجلي إعتزاز صوفيا بأنوثتها وحبها لذاتها حين تقرر ألا تتلقَ العلاج الكميائي معللة بذلك عدم رغبتها في أن تلقى الموت صلعاء قبيحة!
صوفيا تواجه الموت بالحياة، قبيل استقبال معتز، انتقلت صوفيا لشقة فاخرة تطل على الشاطيء ببيروت، لتري عنفوان الحياة في أمواج البحر كل صباح، كما كانت تتفنن في اختيار الألوان المبهجة لملابسها، وتبدلها في اليوم أكثر من مرتين، ربما لم يكن ذلك فقط رغبة منها في تلوين ما تبق لها من أيام في الحياة، بل كان أيضا كي لا يشعر معتز بالملل والكآبة فيتركها.
كتبت صوفيا على ظهر إحدى وريقات النتيجة أمنية بخط واضح ( أن لا أموت عذراء)، وحين سألها معتز عن تلك الرغبة الغريبة، قالت: «لن يأخذه الموت.. ولو.. ولو نلته بيدي!»؛ ترفض صوفيا أن يأخذ الموت منها اكثر من روحها!
استمرارا لمواجهة الموت بالحياة تطلب صوفيا من معتز في أحد النهارات أن يمنحها طفل ويدور الحوار بينهم بعقلانية شديدة لا تليق بغرائبية طلبها:
– «أن أحمل منك طفلا، وألد في السماء»
– « طفل مرة واحدة؟!»
– «نعم .. طفل من أبناء السماء»، وتستطرد: « تخيل يا معتز شكل الطفل الذي يتربي وسط الغيوم النقيه، يلعب بين بيوت الملائكة، يختبيء في أجنحتهم، يركض في السماء، في أزقة النور، في حواري الحقيقة، ويحي ربه كل صباح ، ويكبر.. »
ثقافة صوفيا الدينية المسيحية تبدوا جلية في وصفها للسماء وخيالاتها البريئة عن مصير طفلها بعد موتها، لم تكن تلك المرة الأولى في الرواية التي تتحدث فيها صوفيا عن الإله كما تراه، وكأن مرضها يجعلها تشعر بأن الله صار لها أقرب، وفي أكثر من حوار مع معتز، كانت تعرب دائما عن شعورها نحو الله وتسخر من أولئك الذين يخافونه دون علم حقيقي بجماله ورحمته.
تتآكل صوفيا الجميلة يوماً بعد يوم، لكن المرض، رغم جبروته، لم يكن ليقدر على استفاذ جمالها بالكامل، تذبل عيناها قليلا، وتجف شفتيها تاركة خلفهم طيف جمال أقوى من أن يهزمه مرض.
وقبيل الموعد الذي حدده الأطباء لموت صوفيا يتركها معتز ويرحل، لا خوفا من لحظات وداعها، لكن لأن الملل أصابه! شعر بالملل من الجو المعبق برائحة الموت، تتدهور حالة صوفيا إلى أن تقرر ممرضتها نقلها للمشفى، وبعد عشرة أيام من الإختفاء يعود معتز للظهور في حياة صوفيا _أو ما تبقى منها_ ليمنحها آخر أمنياتها..
صوفيا رواية صادرة عن دار الساقي، الطبعة الأولى في الـ 2004، للمؤلف السعودي الجنسية محمد حسن علوان، وهي ثاني رواياته بعد «سقف الكفاية»، وتلى صوفيا في الصدور روايتين للكاتب هما «طوق الطهارة»، و«القندس».