الطغاة كثيرون، انتهوا وانقضوا.. وسيولدون ويمضون، قد يتفاوتون في وسائل الطغيان، لكنهم يتوحدون في البدايات والنهايات، أتوا إلى الحكم مسالمين
ومستعطفين ليصيروا دمويين ومتجبرين، وينتهوا مغدورين ومقتولين.
من نيرون الروماني، وكاليغولا الرومانيين، مرورا بالحجاج وعباس السفاح العربيين .. ظل الطاغية هو الطاغية، لا يرى إلا نفسه ولا يسمع إلا صوته ولا يهتم إلا لمصالحه.
الطغاة وهم في أوج طغيانهم يمتلكهم الغرور والاستعلاء ولا يتعظون من دروس التاريخ ومن مصائر أمثالهم ممن سبقوهم من أصنام الطغاة .. و من بينهم ايفان الرهيب.
ولد إيفان الرابع عام 1530 فى موسكو، وتوفى والده فاسيلى عام 1533.
نصب إيفان الرابع عام 1547 قيصرا خلفاً لوالده وهو فى السابعة عشر من عمره ، مما شكل سابقة فى تاريخ القياصرة الروس لذلك قام بعض المستشارين المرموقين بمساعدة القيصر في إدارة البلاد.
اتبع إيفان الرابع سياسة توسعية في حكمه، كانت تهدف إلى الربط بين بحر البلطيق وبحر قزوين.
ولذلك خاض حروبا توسعت بنتيجتها أراضي روسيا لتصبح إمبراطورية مترامية الأطراف.
وقام إيفان الرهيب عام 1552 بمحاصرة قازان، وارتكب مجازر جماعية.
وفى 1554 تمكن من الاستيلاء على استراخان، وأصبح بذلك نهر الفولجا قناة روسية بحتة تسهل الوصول إلى بحر البلطيق ومهدت الطريق للتوسع الروسي إلى ما خلف الأورال.
وقد تم استيطان سيبيريا عام 1555. وكان هدف إيفان الرهيب العسكري الرئيسي فتح بولندا والسويد وإقامة علاقات مع أوروبا أيضا. لكنه فشل في حروبه مع بلدان أوروبا، خاصة ليتوانيا وبولندا.
منذ عام 1550 حتى نهاية حياته تحول إلى طاغية مستبد مسؤول عن ارتكاب عدد كبير من المجازر الوحشية.
إن مؤرخي القرن التاسع عشر، الذين أماطوا اللثام عن كثير من الدلائل والحقائق أخذوا يرتجفون رعبا وأصابهم الذهول حينما تعرفوا على المذابح وعمليات التعذيب التي تمت على يد حاكم مسكون بالشك والارتياب من إمكانية تعرضه إلى العقاب الصارم جراء ارتكابه تلك المجازر.
كانت الطريقة المفضلة فى التعذيب هى تهشيم الأرجل قبل أن يلقى الضحايا في الثلج أو جعلهم يزحفون قبل أن يطلبوا الرحمة. في عهد إيفان كانت العائلات النبيلة وحتى خدمها من الأهداف الرئيسية.
كانت تجرى عمليات اغتصاب وقتل جماعي للنساء الأرستقراطيات، وفي بعض الأحيان كانت تباد مجتمعات بأكملها أو يتم التخلص منها بأي شكل من الأشكال.
أما مرض إيفان السيكولوجي فهو غير معروف تماما، لكنه يدعي أن طفولته كانت غير سعيدة حينما ورث العرش، إذ كان يوجه من قبل أفراد من طبقة النبلاء في روسيا، الذين قام بتصفيتهم فيما بعد، غير أن عواطفه المضطربة أفصحت عن نفسها كلية بعد موت زوجته أناستازيا عام 1550 وهو فى السابعة والعشرين من العمر.
حتى ذلك الحين كانت طاقاته متجهة بعض الشىء نحو أغراض البناء والتأسيس. فقد كانت هناك أولويات التنظيم والتنسيق، والتأكيد على النظام الشرعي والقضاء على الفساد في الحكومة المحلية والكنيسة والجيش.
وفي عام 1552 استولى على مدينة تاتار في قازان، التي فتحت الطريق إلى التوسع الروسي ما خلف الاورال ثم احتلال سيبيريا.
إلا أن هدفه العسكرى الرئيسى كان يكمن فى مكان آخر هو فتح بولندا والسويد وإقامة علاقات مع أوروبا. غير أن كل حروبه الوقائية هذه انتهت بالإخفاق جراء إصابة البلاد بالشلل الاقتصادي.
خلال القرن التاسع عشر كان المفكرون مبهورين بهذا المزيج من العظمة والفظاعة الموجودة في شخصية إيفان فوصفوه بالملاك المنزل، الشبح ، الملك العظيم .
اتفق الأكاديميون السوفييت على أن إيفان كانت لديه ثقة كبيرة فى الطبقات العليا من المجتمع الذين كانوا مشبعين بالخيانة وعدم المواطنة والعداء للدولة ، إلا أنه شق طريقه من خلال تأكيده على قوة الدولة والاتحاد وتحدي الهيكل الإقطاعي من خلال مساندة ودعم البرجوازيين له.
ويقول هؤلاء الأكاديميون إن قسوة إيفان مع مجاميع النبلاء لم تكن ذات دافع طبقي.
كما أن إصلاحاته التي طبقت بشكل صاخب وضوضاء مثيرة سرعان ما تلاشت.
فمن المعروف أن إيفان فرض سلطته الشخصية الفردية وسلطة عائلته وليس سلطة الدولة.
ورغم وحشية وفظاعة حكم إيفان فإن أغلب الكتل الاجتماعية فى زمانه كانت تميل إلى سلطة الحاكم القوي، المعين دينياً، القادر ليس فقط على السهر على شؤونهم الحياتية، بل على الشؤون الدينية أيضا، وكان إيفان قد عزز سلطته عام 1564 حينما غادر موسكو متنازلاً عن العرش، لكنه سرعان ما عاد ثانية وسحق أعداءه بضراوة.
في روسيا إيفان، روسيا الرهبان وأجراس الكنائس وتقنيات الرسم العجيبة، لم يكن هناك إلا القليل الذى يمكن التعرف عليه كأيديولوجية سياسية.
كان يعول على الروح أكثر مما على العقل ورغم أن إيفان كان أعلن الحرب على «السلطة الكهنوتية» فقد انسحب فى نهاية حياته إلى الحياة الرهبانية.
في عام 1553 حدث أول خلاف له مع مساعديه، ارتكب على إثره مجزرة بحق أكثر المقربين إليه. حدث ذلك قبل أن يصبح أكثر وحشية وقسوة.
أصبح إيفان الرهيب مسكونا بعدها بالشك والارتياب من إمكانية تعرضه للعقاب الصارم جراء ارتكابه تلك المجازر. وهذا ما دفعه إلى قتل ابنه عام 1582.
ساهمت هذه الحادثة في تحويل القيصر وحتى نهاية حياته إلى طاغية مستبد، ومسؤول عن ارتكاب عدد كبير من المجازر الوحشية، لذلك سمي بالرهيب.
أسس إيفان الرهيب قوات خاصة تسمى بأوبريتشنينا، واعتمد على هذه القوات في تصفية المعارضة وقمعها، وكان يقتل الناس لمجرد الشبهة وتفنن فى البطش بالناس، بل كان يتلذذ وهو يرمي بأعدائه للحيوانات الضارية.
قضى إيفان الرهيب نحبه عام 1584 بعد إصابته بمرض غريب جعل جسمه يتورم، وتنبعث منه رائحة نتنة.