في 15 يناير 1930 وفى قرية زهور الأمراء بالدلنجات بمحافظة البحيرة، والتى قيل أنه عدل اسمها من قبور إلى زهور، ولد المشير عبدالحليم أبوغزالة، وحصل على الثانوية من دمنهور في 1946 والتحق بالكلية الحربية وتخرج فيها في فبراير 1949، وكان الأول على الدفعة التي ضمت حسنى مبارك.
وفي 13 شارع المهدى بحلمية الزيتون بالقاهرة بنى منزلاً من ثلاثة طوابق وسكن في الطابق الأخير منه وظل مقيماً فيه حتى وصل إلى رتبة اللواء، وكان التواضع أبرز ما يميز شخصيته مع أهل منطقته بل قيل إنه كان يلعب كرة القدم مع جنود وحدته العسكرية، وحين وصل لرتبة نقيب في 1951 التحق بسلاح المدفعية في سيناء.
وفي 1957 سافر إلى الاتحاد السوفيتى للدراسة في معهد المدفعية والهندسة في مدينة بنزا لمدة 18 شهراً ثم إلى موسكو في 1961 بأكاديمية ستالين، وحصل على إجازة القادة وهى تعادل الدكتوراه، فلما عاد عمل بمدرسة المدفعية وفى ديسمبر 1968 وحين كان برتبة عقيد قاد مدفعية أحد التشكيلات الضاربة على جبهة غرب القناة.
وفي حرب أكتوبر 1973 عين قائداً لمدفعية الجيش الثاني ثم عين بعد الحرب رئيساً لأركان المدفعية، حصل أبوغزالة أيضاً على درجة بكالوريوس التجارة وماجستير إدارة الأعمال من جامعة القاهرة، وكان يجيد الإنجليزية والفرنسية والروسية، واختير في 1978 ملحقاً عسكرياً في الولايات المتحدة وأثناء عمله في الولايات المتحدة، حصل على دبلوم الشرف من كلية الحرب الأمريكية (كارلايل) في 1979 وفى يونيو 1979.
اختير مديراً للمخابرات الحربية، وفى 15 مايو 1980 عين رئيساً لأركان حرب القوات المسلحة ورقى إلى فريق، وفى أكتوبر 1981 عين عضواً بالمكتب السياسى بالحزب الوطنى وبعد أيام عين وزيراً للدفاع والإنتاج الحربى وفى أبريل 1982 رقى لرتبة مشير ثم عين نائباً لرئيس الوزراء ووزيرا للدفاع والإنتاج الحربي.
وفي أبريل 1989 ترك وزارة الدفاع وعين مساعداً لرئيس الجمهورية وقد أقاله الرئيس السابق مبارك من منصب وزير الدفاع سنة 1989 وأحاط كثير من الروايات حول أسباب إقالته، أشرف أبوغزالة على التصنيع الحربي ومع اندلاع مقاومة المجاهدين للغزو السوفيتى لأفغانستان واندلاع الحرب العراقية الإيرانية انتعشت صادرات مصر العسكرية إلى أن توفي «زي النهاردة» في 6 سبتمبر 2008 الموافق 6 رمضان 1429 هجرية.
اللواء محمد فريد حجاج ليس فقط أحد قادة القوات المسلحة، شارك فى حرب أكتوبر المجيدة، ولكنه أيضا أحد الأصدقاء المقربين للغاية من المشير محمد عبدالحليم أبوغزالة. يقول اللواء حجاج كنت تلميذا لأبوغزالة، وكان قائدى وتحولت العلاقة لصداقة بيننا. واستمرت العلاقة حتى وفاته. مجلة “الأهرام العربى” التقت اللواء حجاج والذى كشف عن الأسرار الخاصة بالمشير أبوغزالة والتى لم يكشف النقاب عنها خلال فترة حكم الرئيس الأسبق حسنى مبارك.
– ما صحة أنه بعد اغتيال الرئيس السادات طرح بعض المسئولين على المشير أبوغزالة تولى الرئاسة؟
بعد اغتيال الرئيس أنور السادات فى حادث المنصة، أراد الحزب الوطنى استطلاع رأى القوات المسلحة فى ترشيح مبارك الذى كان نائبا للرئيس السادات، كان رد المشير أبوغزالة هو أن القوات المسلحة ليس لها رأي، ومن يختاره الشعب سيكون القائد الأعلى للقوات المسلحة، ورفض أبو غزالة أن يكون هناك أى تدخل للقوات المسلحة، ورفض أن يتدخل.
– وما صحة أن بعض الوزراء ذهبوا إليه أثناء أحداث الأمن المركزى عام 1986 عارضين عليه تولى الرئاسة؟
خلال أحداث الأمن المركزى التى وقعت عام 1986 قام الجيش بالانتشار فى كل أنحاء مصر، وسيطر على الأوضاع تماما، وكان بوسع أبوغزالة لو أراد أن ينفذ انقلابا ويتولى الحكم، وما لا يعرفه الكثيرون هو أن 4 وزراء ذهبوا إليه وطلبوا منه أن يخلص البلد من مبارك وأن يتولى هو الحكم، وكان رده عليهم أن قال “أنا لا أطمع أن أكون رئيس جمهورية، وليس لدى هذا الطموح، كل طموحى أن تكون قوتنا المسلحة أقوى قوة بالشرق الأوسط”، وصرفهم أبو غزالة من مكتبه بهدوء، ورفض هذا الكلام مطلقا.
– وهل كانت هناك فرصة أخرى أمام أبوغزالة لتولى حكم مصر؟
قبل انتخابات عام 2005 لرئاسة الجمهورية، اتصل به مبارك تليفونيا وسأله هل ستدخل الانتخابات أم لا؟ رد أبوغزالة قائلا: “ليس لى أى نية لدخول الانتخابات”، بعد تلك المكالمة حاولت جماعة الإخوان الاتصال به عن طريق اللواء الراحل منير شاش، وكان من أقرب أصدقاء المشير
أبوغزالة، وتم ذلك عن طريق أحد الصحفيين الذى اتصل باللواء شاش ونقل له رغبة الإخوان أن يترشح أبوغزالة وعزمهم مساندته لهم فى تلك الحالة، كما أوصل الإخوان رسالتهم لأبوغزالة عن طريق شخص آخر وأكدوا له أنهم يضمنون أن يحصلوا على توقيعات من 85 عضوا من مجلس الشعب لتأييده، كان رد أبو غزالة الرفض التام والمطلق.
– لماذا رفض أبوغزالة الترشح للرئاسة آنذاك وقبول دعم الإخوان؟
سألته نفس السؤال، فكان رده «لو جئت رئيسا بتأييد الإخوان لازم أنفذ كلامهم، إذا ساعدت جهة مرشحا يصل للحكم لازم يدفع لتلك الجهة، وأنا غير مستعد أن أخدم سوى مصر فقط».
– وما قصة خروج المشير أبوغزالة من منصب وزير الدفاع؟
سأحكى لك القصة الكاملة والصحيحة، والتى للأسف لم تعلن من قبل، فى 1989 قدم المشير استقالته مكتوبة من 5 ورقات، وأطلعنى عليها قبل أن يقدمها، ولا أدرى أين ذهبت ورقة استقالته، حيث أرسلها للدكتور عاطف صدقى رئيس الورزاء آنذاك، وكانت تلك هى المرة الثالثة التى يقدم فيها استقالته من منصبه كوزير للدفاع، قبلها قدم استقالته شفهيا مرتين.
– وما التفاصيل التى تضمنتها استقالته؟
كتب فى نص استقالته كل ما يمكن تتصوره من أسباب عن تردى الأوضاع فى مصر، مثل تراجع الحريات وعدم وجود ديمقراطية حقيقية، كما كتب رأيه فى الحكم، مطالبا بأن تتحسن الأحوال الاقتصادية فى مصر، وتناول أيضا سيطرة الحزب الوطني، لم يكن لديه أى طموحات فى الحكم، كان يريد أن تصبح مصر بلدا متقدما كسنغافورة أو ماليزيا. كان بيان استقالته قويا للغاية، عاطف صدقى “جاله هلع” وأرسلها للرئاسة، اتصلت الرئاسة
بأبوغزالة محاولين أن يثنوه عن قرارته ولكنه رفض، واقترحوا عليه أن يكون مساعدا للرئيس، فوافق من منطلق مصلحة مصر، خوفا من أن تكون هناك قلاقل داخل القوات المسلحة التى كانت شعبيته فيها بلا حدود، حيث كان محبوبا للغاية، ولذلك طلبت منه الرئاسة التراجع عن الاستقالة.
– ولكن ما الذى دفعه للاستقالة من وزارة الدفاع؟
لم يستطع تنفيذ ما أراد من أفكار وطموحات بالنسبة للقوات المسلحة بسبب عراقيل مبارك، فى الوقت الذى كانت شعبية أبوغزالة تتزايد وبقوة، وهو ما استغله أصدقاء السوء والبطانة الفاسدة لتأليب مبارك ضده، برغم أن علاقة مبارك وأبوغزالة كانت جيدة جدا، حيث كانا صديقين وكانا زميلين وتخرجا فى نفس الدفعة، ولكن بعد العراقيل التى وضعت أمام أبوغزالة ففى عهده قدمت القوات المسلحة خدمات عديدة للضباط والجنود وتحسنت أوضاعهم المعيشية والاقتصادية إلى حد كبير، وكان مؤمنا جدا بأن الحل الوحيد للدفاع عن سيناء هو تعميرها.
– لكن ما صحة أن مبارك كان له دور فى اختيار السادات لأبوغزالة مديراً للمخابرات الحربية ثم رئيساً للأركان فوزيرا للدفاع؟
هذا كلام غير صحيح على الإطلاق، فالسادات كان يعرف أبوغزالة ولا تنسى أن أبوغزالة كان من الضباط الأحرار، والسادات اختاره لأن نشاطه بأمريكا كان جديا للغاية، لدرجة أن الأمريكان سمحوا لأبوغزالة – كحالة استثنائية – أن يقوم بالتدريس كمدرس زائر بكلية الحرب الأمريكية، وأعجب السادات بأبوغزالة وجهوده أثناء مباحثات مفاوضات اتفاقية السلام.
– لماذا انسحب أبوغزالة من المشهد بعد ثورة يوليو؟
أبوغزالة كان من الضباط الأحرار، وفى بداية الثورة تم تعيينه سكرتير مجلس قيادة الثورة وكان برتبة نقيب، ولكنه ترك منصبه وفضل أن يعود للتشكيلات الميدانية، وسألته: تبقى سكرتير مجلس قيادة الثورة وتسيب المنصب ده؟ رده أنه وجد الوزراء تعامله بتفخيم وتمجيد وينادونه قائلين “سيادتك وحضرتك. فخاف من أن يتحول إلى فرعون، وذهب إلى لوالده الله يرحمه، وحكى له الوضع وقال له: أنا مش مستريح وحاسس إنى حأتغير. قال له والده: ارجع الجيش لأن السلطة مفسدة. فطلب أبوغزالة العودة للوحدات والعمل الميداني، أنا متأكد أن مبارك لم يكن له أى دور فى ترقية أبوغزالة والكلام ده له مصدر تانى هو الكاتب الكبير الراحل أنيس منصور الذى تربطنى به علاقة قوية، حيث إنه زوج شقيقتي، ونقل أنيس لى حديثا جرى بينه وبين السادات حيث قال له الرئيس الراحل “أبو غزالة ده ولد عشرة على عشرة”.
– هل كان لأمريكا دخل فى إبعاد أبوغزالة عن وزارة الدفاع؟
المشير عندما سألته عن ذلك قال لى إنه لا يظن ذلك، حيث كانت علاقته جيدة للغاية مع أمريكا، قبل وبعد وجوده كوزير للدفاع، فخلال عمله كمساعد لرئيس الجمهورية سافر لأمريكا ونجح فى إلغاء الـ 7 مليارات الديون العسكرية على مصر.
– وماذا كان رأى أبو غزالة فى مشروع التوريث؟
كان يرفضه وبشدة، وقال على جمال مبارك إنه لا يصلح، مضيفا «وده موضوع مش حقدر أتكلم فيه، اسمع كلمتى يا فريد لن يحكم جمال مبارك مصر، كان ذلك الحديث قبيل وفاته بشهور»، واستطرد قائلا “عندى حاجات مش حقولها لك، وهما عارفين وأنا عارف، وجمال مبارك مش حيحكم مصر. والشعب مش حيرضي”.
– وماذا كان رأيه فى الحزب الوطنى المنحل؟
أبو غزالة كان يعتبر أن الحزب الوطنى «حزب بدون قواعد» وقال «لو تركه مبارك تانى يوم مش حيبقى فيه حزب».
– وماذا كان رأيه فى جماعة الإخوان؟
المشير مسلم وأدى فريضة الحج 7 مرات وتفقه فى الدين الإسلامى، ولكن كان يمقت التطرف والإرهاب، وله كلمة جميلة هى أن الاسلام حضارة، وكان يقول الإخوان من حقهم العمل السياسي. لكن حيكحمونا إزاي؟
– وماذا كان رأيه بالنسبة لإسرائيل والتعامل معها؟
أبوغزالة لم يشجع إقامة علاقات قوية مع إسرائيل وإن كان يؤمن بحسن الجوار، وحاول الإسرائيليون بعهده إقامة مشروعات مشتركة لكنه رفض وكان متقيدا باتفاقية السلام وكان مرحبا بها، ولو كان موجودا لعدل الاتفاقية، حيث إنه – طبقا للاتفاقية – يمكن تعديلها كل 5 سنوات، وكان رأيه أن يتم ذلك.
– حدثت عمليات إرهابية فى سيناء، فماذا كان رأيه فى التعامل معها؟
كان رأيه أن نلجأ لاستخدام مجموعات مكافحة الإرهاب للقضاء على الإرهابيين هناك، قبل أن ينتشروا، وقال لى إن إسرائيل لن تعترض أبدا على دخول قوات مصرية للمنطقة (ج) فى سيناء
– ماذا قال المشير أبوغزالة عن حادثة الجندى سليمان خاطر؟
أقسم لى أن سليمان خاطر انتحر من الضغط النفسى الذى كان عليه، وأن سليمان لم يكن يقصد قتل الإسرائيليين، ولكنه أصيب بذعر عندما رآهم يتقدمون ناحيته فأطلق عليهم النار بشكل عشوائى فماتوا جميعا، وتحرك أبو غزالة كثيرا لمنع أى ضرر قد يأتى على مصر بسبب تلك الحادثة، حيث كانت هناك حملة قوية فى أمريكا على مصر بسبب حادثة سليمان خاطر، ووافق على حل القضية من خلال دفع تعويضات لأسر القتلى، ولم تدفع الحكومة المصرية جنيهاً، ولكن قام رجال أعمال مصريون بتحمل قيمة التعويضات.
– أخيرا. ما قصة المؤامرة التى حيكت ضد أبوغزالة لتشويه سمعته؟
للأسف كانت مؤامرة قذرة كما يصفها، فقد كان رجلا محترما ولكن أراد النظام السابق أن ينهى شعبيته وحب الناس الواسع له، اللذين استمرا حتى بعد خروجه من منصب وزير الدفاع، ولهذا لجأوا إلى حيلة قذرة بتشويه سمعته وذلك بنشر أنه على علاقة بلوسى أرتين، وأنا شخصيا متأكد من أن تلك الأقاويل مجرد أكاذيب ومؤامرة، وهو ما أكده لى أبوغزالة الذى كان مستاء للغاية من تلك المؤامرة، وسأقول لك دليلا جديدا على أنها خديعة كاذبة لا يعلمه أحد، حيث جرى اتصال هاتفى بين الكاتب الراحل أنيس منصور وبين لوسى أرتين وذلك قبل سنوات، وسألها خلال المكالمة- وكنت بجواره آنذاك- عن حقيقة علاقتها بالمشير أبو غزالة فقالت له: لم يكن بينها وبينه أى شئ، وكانت كل علاقتنا مكالمات هاتفية كنت أطلب فيها منه أن يساعدنى لحل مشكلة أتعرض لها.
وللأسف كان أبو غزالة مستهدفا لمؤامرات ومساعٍ عديدة لتشويه سمعته، وللأسف أصيبت عائلته بإحراج من تلك المؤامرة نتيجة هجوم الإعلام وتشويه سمعته، وكان هدف النظام السابق تحطيمه تماما.
– وماذا كانت وصيته التى كان يكررها فى أواخر حياته؟
كان يشدد على مجموعة من الأمور كى تنصلح الأوضاع فى مصر، فى مقدمتها إقامة ديمقراطية حقيقية، من خلال أن يكون هناك أكثر من حزب قوى يتداول السلطة، وبدون ذلك لا تتحقق الديمقراطية، وكذلك على الحرية المسئولة، الحرية بدون “قلة أدب”، وكانت له رغبة فى خروج المصريين من الوادى الضيق، وتمني أن يذهب المصريون لسيناء والساحل الشمالى والصحراء، وكذلك نسف التعليم الحالى الموجود ووضع تعليم يستخدم العقل والبحث والفهم حتى نستطيع أن نتقدم، وكان نبراسه ما عمله محمد على فى نهضة التعليم فى مصر، وبالنسبة للقوات المسلحة كان يرى أن تكون لدى مصر قوات قوية ومدربة ومسلحة وتحمى الشرعية وبعيدة عن السياسة، وأن يقام محور مصر- السعودية، كما كان يرى ضرورة أن تقدم مصر “كوتة” للطلبة الإفريقيين حتى يكونوا سفراء لنا، وطالب بتقوية الأزهر ووسطيته، وكان ضد الانفلات الدعوى. كان أمل حياته أن تصبح مصر بلدا قوياً وكبيراً.