تحولات عديدة شهدها الإعلام المصري على مدى السنوات الماضية، حيث تباينت أدواره بشكل كبير منذ انطلاق ثورة ٢٥ يناير٢٠١١، مرورا بفترة انتقالية شهدت ثلاث تجارب للحكم من قبل أطراف مختلفة، فمن حكم المجلس العسكري، مرورا بعام حكم جماعة “الإخوان” وصولا إلى انفجار ثورة ٣٠ يونيو ٢٠١٣، ودخول البلاد في تجربة انتقالية جديدة بحكم الرئيس المؤقت المستشار عدلي منصور.
وطوال تلك المرحلة اتسم دور الإعلام المصري بكافة وسائله وأشكاله بالتأثير الكبير، فلعبت برامج التوك شو دور البرلمان، ومثلت صفحات الجرائد ساحة نقاش صاخبة تعكس ما يموج به الشارع السياسي في مصر، بينما مثّل الصعود غير المسبوق لحمى المواقع الالكترونية استجابة لعطش ونهم كبيرين للمعرفة من جانب جموع الشعب الراغب في متابعة تلك التغيرات الحادة التي يشهدها مجتمعه، ولم يكن مستغربا أن يصف كاتب كبير بقيمة الأستاذ محمد حسنين هيكل حال مصر في تلك المرحلة بأنها “تشهد حالة قضائية نهارا وفضائية ليلا”.
ومع مجئ الرئيس المنتخب الجديد عبد الفتاح السيسي، وسط دعم إعلامي غير مسبوق لأي رئيس قبله – باستثناء الزعيم الراحل جمال عبد الناصر- شهدت الساحة الإعلامية تحولات جوهرية، إذا تراجع بريق الإعلام السياسي بصورة واضحة لصالح الإعلام الترفيهي، وبدت وسائل الإعلام تابعة لتحولات السياسة، بعدما كانت صانعة لها.
وقد يرى البعض أن تلك التحولات مسألة طبيعية مع تشكيل مؤسسات الدولة، وانتهاء حالة السيولة التي شهدتها الساحة السياسية بعد ثورة يناير، في مقابل انتقال سريع من الثورة إلى الدولة، ورغبة النظام السياسي الجديد في إحكام قبضته على مقاليد الأمور، كي يتمكن من تحقيق انجازات تعزز سلطته، وهذا لن يتحقق بغير سيطرة بطريقة أو بأخرى على مقاليد الإعلام.
لكن في المقابل جاء تراجع دور وسائل الإعلام أسرع مما توقع الكثيرون، فتلاشت كثير من برامج التوك شو، وغابت الكثير من الوجوه التي ملأت الساحة السياسية والإعلامية بحضورها، وتهاوى توزيع الصحف، وهو ما مثّل مؤشرا على انتهاء حالة الصخب السياسي، وإحكام قبضة النظام الجديد على الأجندة الإعلامية، وترافق ذلك مع ما بدا “تأميما غير مباشر” لكثير من الوسائل الإعلامية، تمثل في شراء رجال أعمال مقربين من أجهزة الدولة للعديد من القنوات والوسائل الإعلامية.
وعلى مدى السنوات الأربع الماضية لعب الإعلام دورا حاسما في تكريس حالة الحضور الطاغي للرئيس السيسي، والتركيز على ما يتحقق من إنجازات، في مقابل استمرار دور الإعلام في “الحرق السياسي” لكل من يمكن أن يمثل تهديدا ولو ضعيفا لذلك الحضور الطاغي للرئيس، وبالتالي لعب الإعلام دورا واضحا في إجهاض فرص التنافسية، وبات التربص الإعلامي بأية شخصية قد تبدي استعدادا للنزول إلى ساحة المنافسة السياسية، قيدا واضحا وعقبة يخشاها كثير من الراغبين في الظهور تحت أضواء المسرح السياسي.
وعكس الأداء الإعلامي إزاء منافسين سياسيين محتملين، مثل الفريق أحمد شفيق، الفريق سامي عنان، المستشار هشام جنينة، المحامي خالد علي، السياسي حمدين صباحي، فضلا عن رموز تيار الإسلام السياسي ومواليهم من الشخصيات السياسية غير الإسلامية، رؤية إقصائية من جانب وسائل الإعلام، وحمل الخطاب الإعلامي إزاء العديد من تلك الشخصيات طيفا واسعا من مفردات الانتقاد، تراوحت بين التشكيك في الكفاءة السياسية، وصولا إلى اتهامات الخيانة.
وربما جاء مشهد المنافسة السياسية في الانتخابات الرئاسية ٢٠١٨، انعكاسا لعوامل عديدة، لكن بالتأكيد من أهم تلك العوامل ذلك الأداء الإعلامي أحادي الرؤية، وسيطرة رؤية قصيرة المدى تتصور أن القضاء على التنافسية السياسية إنما يخدم مصلحة الدولة ونظامها السياسي، فإذا كان من حق الإعلام الخاص أن يميل لصالح أحد المتنافسين، لكن ليس من حقه أن يخلط الوقائع أو يشوهها أو يحرض على الكراهية، وإذا ما تم الالتزام بهذه المعايير يصبح أداء الإعلام صحيا، ويكون هناك انتخابات تنافسية.