مع انطلاق قطار الانتخابات الرئاسية، ودخوله أولى المحطات بتصويت المصريين في الخارج، ووسط ذلك الاقبال من جانب أعداد من المغتربين وتجاوز توقعات عديد من المراقبين، مقارنة بطبيعة المنافسة في تلك الانتخابات، عادت أسئلة كبيرة لتطرح نفسها حول إمكانية استفادة الرئيس عبد الفتاح السيسي، والنظام السياسي بشكل عام من تلك الانتخابات في إعادة شحن الرصيد السياسي، الذي تأثر بالعديد من القرارات الاقتصادية الصعبة في العامين الأخيرين.
ورغم أنه لا توجد في مصر دراسات موثوقة بصورة كبيرة للرأي العام يمكن الاستناد إليها في تحديد شعبية النظام السياسي، أو مدى التأثر الذي تحدثه قرارات النظام في رصيده الجماهيري، إلا أن ما أعلنه المركز المصري لبحوث الرأي العام (بصيرة) قد يكون هو الاستطلاع الوحيد – المعلن على الأقل – في هذا الصدد، رغم انه كان يشير إلى تراجع شعبية الرئيس السيسي بعد مرور 28 شهرًا على توليه الرئاسة إلى 68 %، وأرجع المركز ذلك التراجع إلى القرارات الاقتصادية القاسية التي اتخذت في نهاية ٢٠١٦، وكان في مقدمتها تحرير سعر الصرف، وتخفيض دعم الوقود، مما أدى إلى موجة غير مسبوقة من التضخم.
في المقابل فإن تحسن مؤشرات الاقتصاد الكلي، ورسوخ الاستقرار السياسي، فضلا عن النجاحات المتحققة في المجال الأمني، وعلى صعيد مكافحة الإرهاب، تمثل دعائم مهمة لإعادة بناء الشعبية السياسية للرئيس والنظام السياسي بصورة عامة، حتى مع تواصل الشكاوى الجماهيرية من ارتفاع تكلفة متطلبات الحياة الأساسية.
ويرى بعض المراقبين أن الاقبال الملموس من جانب المصريين بالخارج، وخاصة في دول الخليج التي يتركز بها ٧٠٪ من المصريين بالخارج، ربما يكون مؤشرا على تحسن شعبية النظام السياسي، لكن في المقابل يتحفظ فريق آخر على استخدام قواعد القياس بين تصويت الخارج وتصويت الداخل في الاستدلال على طبيعة الشعبية السياسية وتحسنها، فأولا كتلة المصوتين في الخارج هي نسبة محدودة للغاية من عدد المصريين المغتربين الذين يتجاوز عددهم ١٠ ملايين مواطن، فضلا عن تباين دوافع التصويت بين الداخل والخارج، فكثير من القرارات الاقتصادية التي كانت مصدر معاناة بالداخل، تحولت في المقابل إلى مكاسب مضافة للمصريين في الخارج، فتراجع قيمة الجنيه، ضاعف – ولو نظريا- من قيمة أجور العاملين بالخارج.
ورغم أن نتيجة الانتخابات الرئاسية تبدو محسومة قبل أن تبدأ، إلا أن رهان النظام السياسي على إقبال كثيف، وحثه المواطنين على المشاركة من أجل تحقيق نسبة مشاركة عالية، تمثل التحدي الرئيسي في الانتخابات الرئاسية، فالمشاركة العالية ستكون بمثابة “التفويض الثاني” للرئيس وللدولة في مواصلة مسار صعب وسط حقل ألغام شائك سواء داخليا، أو بالنظر إلى ظروف المنطقة، فضلا عن أن الإقبال الجماهيري سيكون بلا شك دعم كبير في مواجهة انتقادات غربية متصاعدة للعديد من سياسات الفترة الرئاسية الأولى.
وتبدو التحديات التي تنتظر الدولة والنظام السياسي في المرحلة المقبلة أكبر من مجرد النجاح في إدارة الانتخابات الرئاسية، فالاقتصاد المصري يستعد لتجاوز أزماته الهيكلية، والدخول في مرحلة مهمة من الانطلاق، وهذا يتطلب إدارة وسياسات مغايرة لما تم اتباعه خلال المرحلة الماضية، كما أن حالة ترقب المواطنين لـ”عائد الصبر” ستكون أكبر في المرحلة المقبلة، إضافة إلى مراجعة تبدو ضرورية لبعض ملفات السياسة الداخلية، والاستمرار في إدارة سياسة خارجية حذرة في منطقة تقف على أطراف أصابعها خوفا وحذرا من مصير مجهول وحرائق يلوح دخانها في الأفق.