في كل مرة تُطبق الدولة تعريفة جمركية جديدة يتم انتقادها باعتبارها تزيد الأعباء على المواطن، وترفع معدلات التضخم، وتُتهم الدولة بالتركيز على دورها الجبائي دون غيره، كما أن التفسير الحكومي المعتاد للهدف من زيادة التعريفة الجمركية يكون هو سد عجز الموازنة عبر زيادة التعريفة على السلع الاستهلاكية الرفاهية أو ما يُطلق عليها إعلاميا “الاستفزازية”., لكن تعديلات التعريفة الجمركية التي أُقرت بالأمس، لها تأثير وتفسير أعمق عن المُعتاد.
أمس الأول، وقبل صدور التعريفة الجديدة بيوم واحد، صرح وزير المالية، محمد معيط، لوفد غرفة التجارة الأمريكية بالقاهرة، بأن التعريفة الجديدة ستكون مستقرة لفترة طويلة من الزمن، ما يمنح المجال للمستثمرين لتوقع سلوك السوق لفترة طويلة مع تثبيت عامل “الجمارك”، فإذا كان أحد رجال الأعمال يرغب في الاستثمار في صناعة السيارات على سبيل المثال، فإنه سيكون على علم بالتعريفة الجمركية التي تعتمدها الدولة من الآن وحتى الانتهاء من تسويق منتجه، وهذا “اليقين الاقتصادي” أحد أهم العوامل الجاذبة للاستثمار، والتي لا تتمتع به مصر عادة.
الأمر الثاني هو أن كثير من التعريفات الجمركية التي تم وضعها تعكس توجهات واضحة للدولة، مثل حماية المنتج الحكومي، فالصناعات التي اقتحمتها الدولة مؤخرًا مثل صناعة ألبان الأطفال وأجهزة التكييف ظهرت بوضوح في البنود “المحمية جمركيًا”، وهذا الأمر متفق عليه داخل منظمة التجارة العالمية، فمن حق الدول فرض رسوم لحماية صناعاتها الوليدة، غير القادرة على المنافسة.
كما تمنح التعريفات الجديدة ميزة تفضيلية للواردات صديقة البيئة مثل السيارات الكهربائية والسيارات الهجينة “كهرباء وبنزين”، وهو توجه واضح للدولة أيضًا لتنويع مصادر إنتاج وطرق استهلاك الطاقة.
وبالطبع لم تنس الدولة الزيادة التقليدية في بعض البنود الاستهلاكية، التي تنافس البدائل المحلية، وهو أمر معتاد في كل تعريفة جمركية جديدة، ولكن الوزن النسبي هذه المرة لهذه النوعية من الزيادات كان أقل بكثير، سواء من حيث معدلات الزيادة في التعريفة، أو من حيث عدد هذه السلع، أو ما تثيره من جدل اقتصادي.
وأخيرًا ضمت التعريفة الجديدة تحديثات خاصة بالتقسيم والسلع لتواكب المصرية النمط العالمي في إعداد التعريفات.
إن التقييم الشامل للتعريفة الجمركية الجديدة لا يمكن أن يقتصر على تقييم الدور الجبائي للدولة، ولكن التعريفة الجديدة كانت أقرب لسياسة جمركية، تلعب دورها كجزء من السياسات والأدوات الاقتصادية للدولة، وهو دور مكمل للسياسات المالية والنقدية والتصنيعية.
بقى أن تفي وزارة المالية بتعهداتها بتسهيل إجراءات تحصيل الجمارك تحويلها إلى خدمات إلكترونية، وهو أمر قد يخفض من تكلفة ووقت عمليات الاستيراد بما يعوض المستوردين عن رفع التعريفات الجمركية، وربما يقلل الأثر السلبي التضخمي على المستهلك.