ترفع التكنولوجيا متوسط الدخل العام للمواطنين، ولكن لا يستفيد منها جميع العمال والشركات والدول بالقدر نفسه، إذ تبين أن التشغيل الآلي والذكاء الاصطناعي والتكنولوجيات الرقمية تخلق الفرص للعمال المهرة والشركات الواعدة، في حين تضر بالعمال أصحاب المهارات المحدودة والشركات الأقل إنتاجية.
ويتطلب التطور التكنولوجي مهارات تُكمل التكنولوجيا (مثل المهارات المعرفية والعاطفية والاجتماعية)، لذلك تتيح التكنولوجيا للشباب أصحاب المهارات التفوق على العمال كبار السن، ولكنها تجعل الشباب ذوي المهارات المحدودة أكثر تخلفا عن الركب، فما الحل؟
الحل هو تعديل سياسات التوظيف والحماية الاجتماعية.
في مصر تم اعتماد منظومة التأمينات الاجتماعية المعتمدة على الاشتراكات، افتراضًا أن القوة العاملة تتشكل أساسًا من العاملين بأجر في القطاعين العام والخاص، لنصل إلى نظام تأمينات قاصر على عدد قليل من المواطنين وغير قابل للاستمرار من الناحية المالية، لأنه وفقًا لبيانات الجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء فإن القطاع غير الرسمي هو الموظف الرئيسي في مصر، وهو قطاع لا يعرف معنى كلمات مثل حماية وتأمين واشتراكات، كما تضطر الدولة لاستخدام مواردها لدعم التأمينات الاجتماعية ونظم الحماية بسبب الإدارة غير الرشيدة للاشتراكات، وانخفاض قيمتها من الأساس.
ومازالت مبادرة الرئيس عبد الفتاح السيسي لإطلاق شهادة “أمان” للتأمين على حياة الفقراء خارج القطاع الرسمي في بدايتها، حيث تبنتها بالفعل 4 بنوك فقط حتى الآن، بالإضافة إلى البنك التجاري الدولي CIB، الذي أعلن أنه سيشارك في إطلاق شهادة أمان خلال أيام.
ربما يكون الحل هو التزام الدول النامية ببرامج مرنة لمدخرات التقاعد، لا تعتمد على اشتراكات شهرية ثابتة، وهذا موجود في دول مثل شيلي وكوستاريكا والمكسيك وإيطاليا وبولندا والسويد، أو التوسع في شبكات الضمان الاجتماعي على أسس سليمة وموجهة بشكل جيد، مثل البرازيل والهند وتركيا.
ويمكن للاقتصاد الرقمي المساعدة في تحسين قدرة الحكومات على الوصول إلى الفقراء باستخدام قواعد البيانات وأنظمة تكنولوجيا المعلومات الإدارية المتصلة بها، ما يحد من القرارات التقديرية للجهاز البيروقراطي، ويخفض بشكل كبير أخطاء الإدراج والاستبعاد، ويساعد في مواجهة الفساد.
كما أن أنظمة الدفع التي تحول المزايا الاجتماعية إلى الأسر تُظهر بوضوح أهمية تكنولوجيا الهواتف المحمولة في تحسين دقة المدفوعات، وتقليص تكاليف الوساطة المالية بشكل كبير ومكافحة الفساد في تقديم الخدمات، وهذا واضح في مبادرات وزارة التضامن الاجتماعي العديدة بداية من تكافل وكرامة إلى تسليم نفقة المطلقات إلكترونيًا، وهكذا تساعد المدفوعات الرقمية في ضمان وصول المزايا للأشخاص المناسبين، في الوقت المناسب وبالقدر الصحيح.
ويمكن للمنصات الرقمية توفير المساعدة في البحث عن الوظائف والتدريب على المهارات لعدد أكبر من الناس، وهناك بالفعل منصات مصرية مرتفعة الكفاءة يمكنها القيام بهذا الدور.
كما أتاح تطور تكنولوجيا المعلومات والاتصال إمكانية العمل الإلكتروني (عن بعد والعمل بالقطعة)، وهو مناسب جدًا للفئات المهمشة في المجتمع، مثل متحدي الإعاقة وقطاعات منالنساء.
وهكذا كما تغلق التكنولوجيا أبوابًا للتوظيف وتوزيع الدخول تفتح أبوابًا أخرى، والمحك هو كيفية الاستفادة من الفرص وتقليل الخسائر.