تقديم النصائح للساسة حول إدارة شؤون الحكم أو نيل المناصب هى فلسفة ومحل اجتهادات وتطوير من قديم الأزل؛ منذ أن انتقل البشر من الحالة البدائية إلى حالة أكثر تنظيما فى إدارة شؤونهم ومجتمعاتهم، من أرسطو وميكافيللى، إلى فروع متخصصة فى السياسة والإدارة والتنمية عرفتها المجتمعات الحديثة، وأخيرا أقسام جديدة تفتح أبوابها فى جامعات العالم حول التسويق السياسى والإدارة السياسية، وبالتوازى مع كل هذا كانت النصائح والأفكار والرؤى فى هذا الشأن تأخذ طريقها إلى المطبوعات والكتب كمراجع يمكن للجميع الحصول عليها دون التقيد بانتماء هؤلاء إلى جامعات متخصصة، أو كونهم ولدوا بالنسب فى عائلات سياسية أو ينتمون إلى أسر حاكمة، فى السطور التالية نقدم لك عزيزى القارئ عرضا مختصرا لأبرز الأفكار الواردة فى كتاب عثرت عليه بالصدفة، وأراه مهما »الذهاب سياسيا: الدليل المحدد للمشاركة فى السياسة الأمريكية «، وهو دليل أعده جيمس بيتزك، كنصائح وأفكار عامة لراغبى الخوض فى المجال السياسى والعمل به، وهناك شرح مفصل فى مجموعة من المقالات التى نشرها الكاتب على موقعه الإلكترونى، يتيح للراغبين كثيرا من الأفكار حول البداية والمهارات اللازمة لنيل منصب سياسى فى المجتمع الأمريكى. وعلى الرغم من اختلاف النظام السياسى والظروف بشكل كبير ما بين المجتمعَين المصرى والأمريكى، فإننا نورد هنا ملخصا مترجما لأساسيات وأمور مشتركة نجدها صالحة للمشاركة فى العمل السياسى فى أى مجتمع، وإليك المحتوى:
أن تصبح سياسيا هو أمر نادر وهى مهنة مميزة جدا، فمن جانب هو دور يمكنك من الحصول على راتب ضخم، وامتلاك تأثير كبير فى العالم، لكن فى المقابل هى مهمة ستحول حياتك بالكامل إلى شأن عام معروض أمام كل الناس على المشاع، سيكرهك نصف الشعب بعيدا عن آرائك. إذا كنت واحدا من هؤلاء الذى يريدون أن يصيروا سياسيين فاقرأ هذا .. جيمس بيتزك.
(1) هل تصلح أساسَا؟
السياسة لا تصلح للجميع، وفى الواقع هناك قلة قليلة التى تريد أن تعيش هذا النوع من الحياة، لدىَّ صديق يقول إن »أى شخص على درجة من الذكاء تؤهله لأن يكون رئيسا هو ذكى بما يكفى كى لا يكون كذلك ». فى النهاية أغلبهم يكون مكروها من قبل أغلبية الشعب، ولا تنسَ أمرًا مهما »أن تكون سياسيا يعنى أنك تمارس عملا مليئا بالإحباطات «، لذا فقبل أن تتخذ القرار تأكد من قدرتك على الإجابة بنعم عن الأسئلة التالية:
١- هل مناسب لك أن تصبح حياتك بأكملها معروضة أمام العامة؟
٢- هل يمكنك أن تقرر رأيك بصدق وأن تتمسك به حتى لو كان قطاع كبير من الشعب يرفضه أو يكرهه؟
٣- هل تحب مخاطبة الجماهير؟
٤- هل يمكنك الالتزام بمهمتك تحت أى ظرف من الظروف؟
٥- هل أنت مغرم بصياغة واتخاذ القرارات التى تفيد العامة الذين تقوم بخدمتهم؟
٦- هل أنت وعائلتك مستعدون لمسار وظيفى غير مستقر وقد تواجه سنوات من البطالة وشهورا فى انتظارها؟
إن كنت قادرا على فعل هذا، فأنت إذن تحتاج إلى الالتزام بشكل كامل بفكرة أنك أصبحت سياسيا، فالسياسة مهنة ليست شبيهة بأى مهنة أخرى، حيث تستطيع أن تغرس قدميك فيها على سبيل التجربة. فأن تنال منصبا سياسيا هو أمر يتطلب أن تكون ملتزما مع نفسك بشدة، وهو أمر يحتاج إلى أن تعمل ساعات طويلة دون أجر، التحدث إلى مئات الأشخاص الذين لا ينصتون، وربما تقتطع من مدخرات حياتك كى تمول حملتك. لذا عليك التأكد وحسم الأمر أنك إذا قررت أن تخوض السباق نحو منصب سياسى فإنك ملتزم تماما بأنك ستقوم بعملك على أكمل وجه.
قبل أن تبدأ حملتك الانتخابية مثلا عليك أن تتأكد أنك مستعد فى شؤونك الأخرى؛ أى عليك التأكد من أن أوضاعك المالية تغطى فترة كافية، فإذا كان خوضك الانتخابات أو مساعيك للحصول على منصب هو أمرا مصيره الفشل، فسوف تجد نفسك فجأة بلا وظيفة.. لذاعليك التأكد مسبقا بأنك تملك المال الكافى لتغطية نفسك شهورا بعد الحملة، كوسيلة لضمان بقاء أسرتك حال أنك لم تُنتخب أو تنَل المنصب.
(2) مصارحة المقربين بمخاطر ما تقوم به
تأكد من تسوية جميع الأمور بشكل جيد مع أصحاب الوظيفة التى تعمل بها، أو أصحاب عملك الحاليين، الذين يجب أن يعلموا جيدا أنك تخوض غمار معركة لنيل منصب ما، وما الاحتمالات والنتائج والفرص، وقد تكون فرصة قرارهم بدعمك ومساعدتك قدر ما استطاعوا بينما أنت فى المقابل أعلمتهم مسبقا.
أخيرا تأكد من أن أسرتك وأصدقاءك يدركون جيدا ما الذى يعنيه قرارك، عليهم أن يعلموا مسؤولياتك خصوصا إذا انتخبت، بالإضافة إلى درجة ستكون مشغولا خلال العام الانتخابى، فالخطر هو أن تجعل شخصا مهما جدا بالنسبة إليك غير سعيد كونك لم تعطه صورة كاملة ومسبقة عما سوف يحدث.
(3) قُم ببناء تاريخك
الساسة الناجحون يشتركون فى أمر واحد فقط فى الأغلب، وهو أنهم يمتلكون سيرة ذاتية قوية، وهنا لا أتحدث عن صيغة »سى فى « معدة سلفا كى تملأها فقط، لكنى أتحدث عن امتلاكك إنجازات، تجعل الناس يأخذونك بجدية خصوصا أبناء الطبقة الوسطى، وإليك بعض الأمور الهامة التى يمكنك أن تعمل عليها كى تبنى سيرة ذاتية قبل أن تخوض معركة الوصول إلى منصب:
١- التعليم: امتلاك تعليم راق هو المفتاح بالنسبة إلى السياسيين، ليس عليك أن تذهب لهارفارد مثلا، لكنك إن كنت تمتلك درجة علمية فى تاريخ الفن مثلا فلن تؤخذ بجدية من قبل أغلب الناس.
٢- خبرة العمل: إذا كانت الوظيفة الوحيدة التى عملت بها لا تمت بصلة، فأنت فى الأغلب لست مستعدا لخوص غمار معركة نيل منصب سياسى، ووفقا للمنصب الذى تود الوصول إليه، فربما يكون من المهم أن تمتلك خبرة فى مواقع مهمة، فكلما كانت لك القدرة على إظهار مناصب وخبرات كان ذلك جيدا ومفيدا.
٣- العمل التطوعى: أغلب المصوتين فى الانتخابات يصنعون قراراتهم وفقا لحسبة ترتكز بالأساس على من سيكون له تأثير كبير على مجتمعاتهم، خصوصا على الصعيد المحلى. قُم بعمل تطوعى قدر ما استطعت وقُم بمساعدة الناس كلما كان ذلك ممكنا.
٤- مهارات القيادة: يفضل أن تكون فى مساحة عملك التطوعى أو المهنى قد توليت أدوارا كافية من القيادة، فالمصوتون يريدون شخصا يقنعهم بأنه قادر على القيادة بحكمة وكفاءة وعن خبرة.
٥- إنجاز خاص بك: فى كثير من الأحيان قد تكون فكرة امتلاكك إنجازك الخاص المميز هى فكرة جيدة، هل حققت شيئا يجعلك متفردا، هل تسلقت جبل إفرست، هل نجوت من محاولة استهدافك بالرصاص. مثل بعض تلك الإنجازات التى تبدو خارجة عن السير الذاتية التقليدية، وقد تستخدمها فى حملتك لتقريب الناس منك.
٦- النشر: لم تكن صدفة أن كتاب »جرأة الأمل « تصدر قوائم الأكثر مبيعا، فى نفس الوقت الذى أعلن فيه باراك أوباما خوضه معركة الرئاسة فى عام ٢٠٠٧ ، أن تنشر شيئا هو أمر يعطيك المزيد من المصداقية، وتضع آراءك أمام أعين الناس، وربما رسائل إلى المحرر فى الجريدة أو مقال هو أمر جيد.
(4) المهارات المطلوبة لأن تكون سياسيًّا
هناك عدد من الأشياء التى يجب أن تكون معتادًا عليها:
١- الخطابة والحديث إلى الجمهور: الساسة يقدمون كثيرا من الخطابات والأحاديث إلى الجمهور، لذا فعليك أن تنمى مهاراتك فى هذا الشأن قدر ما استطعت، فالخطابة والتحدث إلى الجماهير هى أمور يمكن إتقانها بالتدريب والممارسة. لذلك لا تضع فرصة الحديث إلى الناس كلما وجدت، عليك أن تتدرب أيضا على كتابة خطاباتك خصوصا حينما تنوى تناول قضايا شائكة.
٢- إدارة شؤونك المالية: إذا كنت تخوض غمار معركة الانتخابات لنيل بمنصب محلى، فلربما ستتولى إدارة أموال حملتك بنفسك، ولكن حتى إن قررت أن هناك من سينوب عنك فعليك أن تتعرف على قوانين التمويل جيدا، فآخر شىء يجب أن تواجهه هو مشكلات قانونية فى هذا الشأن.
٣- مهارات اجتماعية: الجزء الأهم فى سبيل حيازة منصب والإبقاء عليه هو القدرة على التواصل مع الناس، تأكد من أنك قادر على التواصل مع الناس فى أى وقت وفى أى مكان، وتأكد من قدرتك على بناء شبكات من العلاقات بلا توقف.
٤- الجدل: من الطبيعى وبحكم السياسة سيكون عليك الانخراط فى عدد كبير من المجادلات، وعمليا فالقدرة على الجدال هى أمر يمكن تعلمه بالممارسة، ويمكنك التدرب عليه مع أسرتك وأصدقائك.
(5) الرؤى المتماسكة.. وشبكة العلاقات
ربما تكون صاحب أيديولوجيا بالفعل، لكن تأكد من أن لديك موقفا متماسكا تجاه كل قضية قد تطرأ فى أثناء حملتك الانتخابية أو فى أثناء وجودك فى المنصب. فالسياسى ذو الوجهين هو الذى يغير آراءه حول القضايا باستمرار، ومثل هذا الشخص ينظر إليه الناس بشكل سلبى جدا، فليكن لديك آراء متماسكة، ولتلتزم بها قدر الإمكان.
أن يكون لك تأثير فى أى عمل تقوم به هو أمر يتوقف على أى من الأشخاص تعرف، والعمل السياسى هو خير نموذج لتوصيف ذلك. وجود اتصالات بمن هم حول المنصب الذى تريده، ويمكن أن يؤيدوك هو أمر مهم، ممولو الحملات، العاملون فيها، وحتى الناخب اليومى هو مفتاح للنجاح فى السياسة. استغل أى فرصة تتاح لديك، واصنع شبكتك، وقوِّ صداقاتك، فهى خطوات مهمة جدا فى السياسة.
(6) ابدأ العمل
المشاركة الفعالة عن طريق حزبك السياسى، إذا أردت الحصول على دعمهم أو ترشيحهم لك لمنصب، وإليك عددًا من الوسائل التى تساعدك فى هذا:
١- تطوع أو انضم إلى حملة انتخابية: الوجود فى حملة انتخابية هو الطريق الأمثل كى تقابل كل الناس الموجودين فى حزبك، خصوصا هؤلاء الذين يديرون الحملات، قم بأقصى عمل ممكن أن تقوم به، وكن ودودا مع أكبر عدد من الناس قدر استطاعتك.
٢- ساعد فى التمويل: أحيانا تحتاج الأحزاب إلى مساعدة فى التمويلات، حتى فى أوقات غير أوقات الحملات الانتخابية، ربما ليس ممتعا أن تطلب من شخص أموالا، لكن الأمر يستحق إن قررت الانخراط. الأمر يستحق فعلا.
٣- احضر الاجتماعات:
من المرجح أن الكيانات والأطراف المحلية والأحزاب تقوم بعمل اجتماعات بصورة شبه منتظمة، كن حريصا على حضور هذه الاجتماعات كلما انعقدت، وقدم المساعدة إن كانوا فى حاجة إليها.
٤- تبرع بالمال: التبرع هو وسيلة بسيطة للفت الأنظار داخل الكيانات ولا يمكن تجاهلها، التبرعات مهما كانت صغيرة هى محل تقدير كبير، خصوصا داخل المؤسسات التى بقاؤها على قيد الحياة هو رهن بتلك التبرعات.
(7) ابدأ السلم من أسفله.. ولا تتعجل
ربما يكون لديك طموح كبير بشأن السياسة، لكن عليك أن تذكر جيدا أن روما لم تبنَ فى يوم، فالسياسة هى عمل يقتضى منك أن تقضى وقتا فى المستويات الدنيا قبل أن تصعد. وإذا كنت صغيرا فى السن، وليس لديك الكثير من الإنجازات الخاصة بك، هنا بعض النقاط للانطلاق:
١- مجلس المدرسة: أن تكون عضوا فى مجلس المدرسة فى منطقتك قد يبدو أمرا بسيطا، لكنه يعطيك كبداية الفرصة للاتصال والوجود مع أشخاص مهمين فى محيطك المحلى، ووجود هذه الأمور فى سيرتك الذاتية سيسمح لك بالتحرك بشكل أكثر سهولة لصعود السلم.
٢- انتقل إلى مجلس المدينة: الأمر شبيه بمجلس المدرسة، لكنه سيتيح لك التعامل مع أكثر من نظام التعليم، على مستوى أوسع من السياسات.
٣- عمدة المدينة: بالنسبة إلى المدن الصغيرة أن تصبح عمدة ليس أمرا صعبا، فإذا كنت محبوبا وتمتلك بعض الخبرة ستكون بداية رائعة للعمل السياسى.
٤- المجلس التشريعى للولاية: خوض الانتخابات كمشرع للولاية هو طريق البقاء الحقيقى للنظام السياسى فى أغلب الأوقات، يتلقى هؤلاء رواتب جيدة، ولهم نفاذ أكبر وأوسع من أى مجلس محلى، مثل هذا الأمر فى سيرتك الذاتية يعطيك الفرصة لأن تصعد السلم للخطوة التالية »الكونجرس .«
بمجرد ما إن تستطيع الحصول على أول منصب سياسى فسوف تقوم بعمل نفس الأشياء حتى تصل إلى المنصب التالى.
أبقِ على شبكة علاقاتك، أضف إلى سيرتك الذاتية، اخدم من قاموا بانتخابك ودعمك بفخر وشرف، استخدم سلطاتك ومواردك وعلاقاتك بحذر ونزاهة وحكمة، وهو ما يقودك إلى أن تصعد أعلى درجات السلم كما تحلم. وتذكر أن تصبح سياسيا وأن تجعل السياسة مهنتك هو أمر ليس متاحا لأى شخص آخر، بل هو أسلوب حياة مختلفة، ملىء بالمخاطر والمكاسب، يمكنك من فعل أشياء لن تفعلها فى أى مهنة أخرى.