لا يحتاج أى مراقب للخطاب الدينى فى مصر إلى أن يبذل مجهود كبير ليكتشف الفوضى العارمة التى تضرب هذا الخطاب، وتنعكس بوضوح فى حال النزاع الدائر بين منافذ الإفتاء الرئيسية، وبين المتطفلين على الفتوى، من أشباه العلماء، رويبضة هذا الزمن، الذين تربوا فى كنف نظامى السادات ومبارك، وسيطروا على قنوات التأثير على الجماهير بابتزاز دينى وصل إلى حد تكفير المخالفين لهم، وأدى إلى إشاعة جو من الكراهية والعنف، كان غريبا وشاذا على الشخصية المصرية، حتى قامت ثورة ٣٠ يونيو وحسمت الأمر بشأن من له حق الإفتاء، وقطعت دابر الذين سعوا فسادا، وبلبلوا عقول الناس، وتلاعبوا بأحكام الشرع الحنيف.
منافذ الفتوى فى مصر
تعتبر دار الإفتاء ضمن أهم المؤسسات الدينية التى لها حق إصدار الفتوى فى مصر منذ نشأتها قبل ٧٠٠ عام، عندما كانت الدار تتسم بالاستقلالية التامة عن جميع جهات الدولة، بما فى ذلك مؤسسة الأزهر، حتى جاء عام ١٩٥٦ ، وتم إلغاء عمل المحاكم الشرعية فى مصر، وأصبحت الفتوى مقصورة فقط على شخص مفتى الديار المصرية.
وعن المهام التى تتولاها دار الإفتاء فهى تنقسم إلى مهام دينية، تندرج فى إجابة الأسئلة والفتاوى باللغات المختلفة، وإصدار البيانات الدينية، وإعداد الأبحاث العلمية المتخصصة، والرد على الشبهات الواردة ضد الإسلام، واستطلاع أوائل الشهور العربية، وتدريب الطلاب المبعوثين على الإفتاء، وإعداد المفتين عن بُعد.
أما النوع الآخر من المهام الذى تقوم به دار الإفتاء، فيتضمن المهام القانونية، وأبرزها تقديم المشورة الشرعية للمحاكم المختصة فى قضايا الإعدام.
هيئات العمل بدار الإفتاء تضم نحو ٢٠ إدارة، من بينها أمانة الفتوى، وهى لجنة تم إنشاؤها فى عهد الدكتور على جمعة، وتضم كبار علماء الدار، وتعمل تحت إشراف مفتى الديار المصرية شخصيا، بالإضافة إلى إدارة الفتوى الشفوية، وإدارة فتوى المواريث، وإدارة الفتوى المكتوبة، وإدارة الفتوى الإلكترونية، وإدارة الفتوى الهاتفية.
100 فتوى فى اليوم
تأسست لجنة الفتوى فى عام ١٩٣٥ ، عندما قرر محمد مصطفى المراغى، شيخ الأزهر، تشكيل لجنة من العلماء للإجابة عن الفتاوى التى ترد إلى الأزهر، وتم تعيين أعضاء بها يمثلون المذاهِب الأربعة المشهورة، (الحنفى والمالكى والشافعى والحنبلى)، على أن يكون لكل مذهب ثلاثة علماء، باستثناء المذهب الحنبلى، فكان يمثله عضوان اثنان.
وفى عام ١٩٩٠ صدر قرار بتنظيم العمل فى لجنة الفتوى، وتشكيل لجانها، ونصَّ على أن يُراعى فى أعضائها أن لا يقل سن العضو عن ٤٥ سنة، وأن يكون معروفا بالتقوى والورع فى ماضيه، وحاضره، وأن لا يكون قد صدر عنه ما يمس الشرف والأمانة، وأن يكون من خريجى الكليات الأزهرية المتخصصة فى الدراسات الإسلامية والعربية، أو ما يعادلهما، وأن يكون له نشاط علمى بارز فى مجال الدراسات والبحوث الإسلامية.
وجاء القرار استكمالا لتنظيم دار الإفتاء، بعد أن اشترط أن تكون الفتوى موافقة للكتاب، أو السنة، أو إجماع الفقهاء، أو القياس الصحيح الموافق لقواعد الدين العامة الملائم لصالح المسلمين، إلا إذا طلب السائل فقهَ مذهب معين من المذاهب الفقهية الإسلامية الأخرى (الظاهرى والإثنى عشرى والزيدى والإباضى)، فعلى الفقيه أن يفتيه وفقا لما سأل.
فى عام ١٩٩١ صدر قرار بتشكيل لجان للفتوى بالأقاليم فى كل محافظة فى المنطقة الأزهرية، وعين فيها أعضاء من أكبر العلماء فى المحافظة، وبعد ذلك بشهور، تم إسناد لجنة الفتوى إلى إدارة الوعظ والإرشاد بالأزهر، وتقرر معها إضافة مهمة إشهار الإسلام إلى مهام عمل لجنة الفتوى.
ووفقا لتصريحات منسوبة إلى مسؤولين بلجنة الفتوى، فإن متوسط عدد الفتاوى الشفهية التى تقوم الدار بالرد عليها يوميا، يصل إلى ١٠٠ فتوى تقريبا، بينما يصل متوسط عدد الاتصالات الهاتفية التى تتلقاها اللجنة يوميا إلى نحو ٧٠ اتصالا هاتفيا، فى حين يبلغ متوسط عدد الفتاوى التحريرية المكتوبة نحو ١٥ فتوى تقريبا.
ولعل أبرز ما يميز مهام عمل دار الإفتاء عن مهام عمل لجنة الفتوى بالأزهر، أن الأخيرة لا يحق لها أن تفتى فى بعض المسائل مثل استطلاع أهلة الشهور العربية، أو إبداء الرأى الشرعى فى قضايا القتل المنظورة أمام المحاكم المصرية.
بحوث الدعوة.. آخر عنقود الفتاوى
لجنة الفتوى بإدارة بحوث الدعوة بوزارة الأوقاف، هى المنفذ الثالث للفتوى، الذى تم استحداثه منذ نحو شهر، إلا أن حقيقة الأمر تعود بتاريخ هذه اللجنة إلى زمن أسبق من ذلك، يمتد إلى نحو ٤٠ عاما مضت، عندما كان الشيخ محمد الغزالى مسؤولا عنها، واجتهد من خلالها فى إصدار فتاوى تتجاوب مع مقتضى الحال، وترعى المصلحة العامة للعالم الإسلامى، الأمر الذى جعل البعض يعتبر هذه اللجنة هى العقل العلمى لوزارة الأوقاف، قبل أن تتوقف عن العمل، ويعاد بعثها مجددا خلال هذا العام.
وتختص هذه اللجنة ببحث الفتاوى، وتقديم خدمة الفتوى للمواطنين، كما تقوم بعملها بنفس الآليات التى تتبعها دار الإفتاء، بما ينفى أى تعارض بين عملهما، ويتولى الشيخ أحمد ترك مسؤولية إدارة البحوث والدعوة، كما يتولى مسؤولية لجنة الفتوى بالإدارة، لحين تعيين فريق عمل يقوم على تطوير عمل إصدار الفتاوى بها، بالاستعانة بنخبة من علماء الشريعة، وأساتذة الفقه بالأزهر الشريف.
الأزهر هو المصدر
الشيخ مجدى عاشور، مستشار الدكتور شوقى علام، مفتى الديار المصرية، قال إن الأزهر بجميع روافده هو المصدر الرئيسى للفتوى، ولا حق لمن ادعى حمل لواء الفتوى، بينما لا يمتلك الأهلية العلمية للتصدر لهذا الشأن الجليل الذى يمس حياة المسلمين وصالحهم العام.
فوضى الفتاوى التى انتشرت فى مصر خلال الأعوام الماضية، هى أُسّ البلاء، وسبب البلوى، حسب الشيخ عاشور، الذى شن هجوما على رويبضة هذا الزمن من أنصاف العلماء الذين استغلوا بساطة المصريين وجهلهم بعلوم الشرع، وبثوا أفكارهم الخبيثة، وزرعوا الفتنة التى كادت تدمر البلاد نتيجة الفهم الخاطئ لأحكام الشريعة، التى لخصها النبى (صلى لله عليه وسلم) بقوله »خير الأمور الوسط» ، لذلك يتوعد الشيخ عاشور كل من سولت له نفسه القيام بإشاعة هذا المناخ الكريه المنافى لروح الدين، »لن نسمح بأن يتولى المتشددون شؤون الفتوى، لأن الأزهر به علماء أجدر بتولى هذه الأمانة أمام لله .