مع قرب انتهاء سنوات التحول الاقتصادي العنيف يبدأ النقاش حول ماهية أداء الاقتصاد خلال السنوات القادمة.
خلال أسابيع تتسلم مصر الشريحة قبل الأخيرة من قرض صندوق النقد الدولي، بعد إتمام معظم الإصلاحات المطلوبة لإيقاف النزيف المستمر للموارد الاقتصادية.
ومن المفترض أن نبدأ خلال فترة قصيرة مرحلة تحقق فيها الدولة فوائض مستدامة في الميزانية الأولية وميزان المدفوعات، وتقلص مستمر في نسبة الديون إلى الناتج الإجمالي.
كانت التوصيات المصاحبة لقرض صندوق النقد الدولي كفيلة بالقضاء على الكثير من الاختلالات الهيكلية الكلية للاقتصاد، ولكن مازلنا في حاجة لوضع برنامج لإطلاق قدرات الاقتصاد الكامنة من خلال الهيكل الجديد.
هذا البرنامج يمكن استخلاصه من مصدرين، أولهما نص قرض البنك الدولي لمصر، الذي تم توقيعه نوفمبر الماضي، بقيمة مليار دولار، لدعم دور القطاع الخاص المصري في تحقيق النمو المتكامل، وثانيهما تقرير البنك الدولي الصادر عن مصر بعنوان «تعزيز الاستثمار الخاص فى البنية التحتية»، الشهر الماضي.
يرى التقرير، بعد الإشادة ببرنامج التحول الاقتصادي، أن الشكل الجديد للاقتصاد خلق تحديات جديدة، منها صعوبة توظيف 80 مليون مواطن في سن العمل في عام 2028، بعيدًا عن القطاع الحكومي الذي يجري تقليصه بشكل مستمر.
كما ناقش التقرير ضعف البنى التحتية في كثير من المناطق، واستمرار الفجوة بين معدلات الادخار والاستثمار، حتى أن مصر ستحتاج تمويلا خارجيا بقيمة 230 مليار دولار لسد فجوة الاستثمار في النقل والبنية التحتية فقط خلال العشرين عامًا القادمة، وغيرها من التحديات، التي كان حلها تهيئة البيئة الاقتصادية لإحلال القطاع الخاص محل الدولة في كثير من القطاعات، وهنا يأتي دور القرض.
تبلغ قيمة قرض البنك الدولي مليار دولار، وهو رقم ضخم مقارنة بباقي القروض التي كان دورها تقديم الدعم الفني وتحسين كفاءة الحكومة، ولكن هذا يرجع إلى تشعب مصروفات هذا القرض، بين تسهيل تأسيس الشركات في كافة أقاليم الجمهورية، وخلق المزيد من فرص العمل، وتحسين تنظيم خدمات النقل البري للركاب، والشمول المالي وإتاحة التمويل للشركات المتوسطة والصغيرة والمتناهية الصغر، وتنمية القطاع الخاص ودمجه في خطط التنمية الاقتصادية، وتطوير وزارة الاستثمار والتعاون الدولي لمبادرة “فكرتك شركتك”، ودعم الإدارة المالية عبر تعديل أنظمة السداد الإلكتروني لضريبة الدخل وتبسيط دفع الضرائب وتحسين بيئة العمل، وتعزيز مشاركة القطاع الخاص في قطاع الطاقة، وخلق قدرة مالية للاستثمار في رأس المال البشري، هذا بالإضافة إلى تطوير نظام تخصيص رأس المال للمحافظات والأحياء.
هذا يعني أنه سيتم استغلال قيمة القرض في تحقيق أقصى استفادة ممكنة من الإصلاحات التي قامت بها الحكومة، والتي وفرت بيئة مناسبة لعمل القطاع الخاص، كما ذكر البيان المشترك للحكومة والبنك الدولي.
القرض والتقرير مليئان بالتفاصيل المهمة عن الاقتصاد المصري خلال العشرين عامًا القادمة، ولكن الهدف الرئيسي هو انسحاب تدريجي للدولة من العديد من الملفات الاقتصادية بعد توسع طاغ خلال السنوات الماضية.