ساعات قليلة فصلت بين انتهاء زيارة وزير الخارجية الأمريكي ريكس تيلرسون إلى القاهرة ضمن جولة شرق أوسطية، وبين انتشار تسريبات حول مقترحات غربية بشأن إقامة ممرات آمنة لخروج الإرهابيين من سيناء مقابل تسليم أسلحتهم، وهو ما جعل كثيرين يربطون بين الزيارة والتسريبات، واعتبار الأمر كأنه رغبة أمريكية، على الرغم من أن كافة التسريبات منسوبة إلى مصادر مجهلة، ولم يتطرق إليها أي مسئول مصري أو أمريكي من أي مستوى.
وأيا كانت حقيقة ما تردد من تسريبات بشأن تلك الرغبة الغربية أو الأمريكية لضمان خروج آمن للإرهابيين من سيناء، بعد أقل من عشرة أيام من انطلاق العملية الشاملة “سيناء ٢٠١٨”، فإن تلك الرغبة – في حالة وجودها- لن تجد سوى رفض مصري صارم، فمشهد الحافلات الصفراء التي كانت تقل الإرهابيين وأسرهم من بعض المناطق المحررة في سوريا، لا يمكن ان يتكرر على أرض مصرية، لأسباب عديدة، بعضها يتعلق بثوابت الموقف المصري بشأن مكافحة الإرهاب، والبعض الآخر يرتبط بانعكاسات ذلك الطلب على موقف الدولة المصرية ومؤسساتها داخليا وخارجيا.
وأول الثوابت التي تؤكد أن فكرة وجود ممرات آمنة أو خروج آمن للإرهابيين مرفوضة مطلقا من قبل القيادة السياسية او العسكرية أو الأمنية أو غيرها في مصر، هي أن القبول بهذا المقترح إنما يمثل شرخا خطيرا في جدار الشرعية الذي يتحصن به الموقف المصري في الحرب على الإرهاب، فالمواجهة المصرية للجماعات المتطرفة، ليست صراعا سياسيا بين الدولة وجماعات معارضة، لكنه صراع بين الدولة ومارقين مجرمين، يحاولون النيل من البلاد وتهديد استقرارها وأمنها، وبالتالي فإن أي تهاون في ذلك الموقف الصارم، سيمثل بلا أدنى شك شرخا خطيرا في العقيدة القتالية للجيش والقوى الأمنية المصرية، فضلا عن التأثير الخطير في الموقف الشعبي الداعم للتوجه الرسمي في الحرب على الإرهاب.
الثابت الآخر في هذا الشأن أن طبيعة تكوين المجتمع المصري ونسيجه الشعبي والاجتماعي، وفر بناء اجتماعيا متماسكا إلى حد كبير، لم تستطع القوى الإرهابية اختراق كتلته الصلبة، وبناء حاضنة شعبية لها داخل المنظومة الاجتماعية، وهو ما جعل الجماعات الإرهابية والمتطرفة تقبع على هامش ذلك النسيج الاجتماعي، ولم تتمكن بفضل اللحمة الشعبية، والقدرات العسكرية للجيش المصري، من امتلاك مواطن ثابتة تقيم فيها إمارات تابعة لها، كما حدث على سبيل المثال في دولة تمزقها الطائفية مثل سوريا والعراق أو تسودها القبلية كليبيا، وظلت مجرد جماعات مسلحة، تمارس الكر والفر، وتعيش في مناطق جبلية هامشية مستفيدة من الطبيعة الوعرة في امتلاك ملاذات آمنة، لكن لا يمكن لها في تلك المناطق امتلاك موضع يؤهلها لطلب التعامل كند للدولة.
من جانب آخر فإن مجرد التفكير في قبول مثل ذلك الطرح بشأن ممرات آمنة للإرهابيين، سيمثل ضربة قاصمة لعملية “سيناء ٢٠١٨”، التي جرى تعبئة القوات المسلحة والشرطة لإنجازها، وتحقيق انتصار حاسم في المعركة ضد الإرهاب، فضلا عن تعبئة إعلامية وسياسية مكثفة، في مواجهة حملات تشكيك شرسة من جانب وسائل إعلام دولية عديدة، سواء في جدوى العملية الشاملة، أو فيما تحققه من نتائج، وبالتالي فإن أي تهاون في الموقف المصري إزاء “البتر” الكامل للإرهاب سيصب في صالح حملات التشكيك وينال من “قدسية” وأخلاقية الحرب المصرية ضد الإرهاب، إن جاز التعبير.
ويبقى عامل إضافي يؤكد أن كل الاحتمالات تصب باتجاه رفض مصري حاسم لأي مهادنة او تفاوض أو تراجع في الحرب على الإرهاب، وهو أن أية وجهة سيخرج إليها هؤلاء الإرهابيون لن تكون بعيدة عن مرمى الأمن القومي المصري، وبالتالي فإن الحماية الحقيقية تقتضي القضاء على تلك الجماعات وتدمير قدراتها الاستراتيجية، وقطع خطوط إمدادها، لا سيما ان تلك الجماعات ليست سوى “مخلب” لقوى إقليمية تستهدف الإضرار بمصر بشتى الطرق، وضرب اقتصادها عبر فرض حالة من عدم الاستقرار والتهديد الأمني لأطول فترة ممكنة.
إن الخروج الآمن للإرهابيين من مصر، لا يعني سوى تأجيل وإطالة أمد المعركة، بينما الخروج الآمن لمصر وللمنطقة كلها هو القضاء على الإرهاب ومسبباته، ومحاربته أمنيا وفكريا، فالحرب ضد الإرهاب “معركة صفرية” لا تقبل القسمة على اثنين.