ربما انصب التركيز في زيارة ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان إلى مصر الأسبوع الماضي، على العديد من الملفات السياسية والاقتصادية الكبرى بالدرجة الأولى، وهذا أمر طبيعي بالنظر إلى أهمية الزيارة والضيف، لكن كان حضور الضيف الكبير بصحبة الرئيس عبد الفتاح السيسي لعرض مسرحي بدار الأوبرا مغزى عميق لا ينبغي أن يضيع في زخم التحليلات السياسية والاقتصادية للزيارة.
وبات من المعروف أن المملكة العربية السعودية تمر بفترة تحولات عميقة تتجاوز تلك الصورة المحافظة التي طالما سيطرت عليها لعقود طويلة، وتسعى المملكة إلى إظهار وجه أكثر شبابا، كما تواترت خلال الأسابيع الأخيرة العديد من الأخبار عن حفلات وفعاليات فنية وثقافية لم تكن يوما على أجندة السعودية، وإن لم تغب يوما عن اهتمامات السعوديين.
والحقيقة أن تلك التحولات العميقة في التوجهات السعودية يمكن أن تكون فرصة كبيرة للاستثمارات المصرية، فكما كانت الرياض ولا تزال واحدا من أهم المستثمرين في الاقتصاد المصري، فإن فرصة تبدو مواتية الآن لاستثمارات مصرية واعدة في قطاع الترفيه السعودي.
الأرقام ومؤشرات الجدوى كلها تصب في اتجاه الميزة التنافسية التي يمكن أن يتمتع بها المصريون في استغلال التحولات الانفتاحية السعودية تحت قيادة “الأمير الشاب” محمد بن سلمان، فالقاهرة هوليود الشرق، تحظى بامكانيات وخبرة عريقة في مجال صناعة الترفيه على اختلاف قطاعاتها وتنوعاتها، سواء فيما يتعلق بالانتاج الفني والثقافي والترفيهي متعدد الصور، وهو ما يمكن أن يلبي احتياجات عديدة لدى السوق السعودي المتعطش لتلك الصناعة الترفيهية.
وينعكس حجم التعطش السعودي للترفيه في الخطة الاستثمارية للسنوات العشر المقبلة، التي أعلنتها الهيئة العامة للترفيه في السعودية، والتي تتضمن استثمار ما يقارب 64 مليار ريال في قطاع الترفيه سنويا، ومن المرجح بحسب الدكتور حاتم سمان؛ المدير التنفيذي للاستراتيجية في هيئة الترفيه، أن يبلغ حجم سوق الاستهلاك السنوي للترفيه في السعودية بحلول عام 2030، نحو 220 مليار ريال، بناء على الإنفاق الأسري على الخيارات الترفيهية.
كما تعتزم المملكة بناء دار للأوبرا، وتأسيس أكبر مشروع ترفيهي في العالم تحت اسم “القدية” على مساحة أرض تقدر بـ 110 مليون متر مربع على غرار عالم والت ديزني في الولايات المتحدة في مدينة أورلاندو، بولاية فلوريدا، وتحتوي “القدية” إضافة إلى المناطق الأربع المخصصة للألعاب الترفيهية على 27 فندقا، تشتمل على قرابة 28 ألف غرفة تابعة للمشروع، وكذلك منطقة مخصصة للتنزه البري تضم 409 أكواخ، و800 موقف للسيارات المعدة للرحلات “كرافان”، كما يتضمن المشروع منطقة سكنية تحتوي على 450 وحدة سكنية ما بين فيلات وشقق، كما يخدم المشروع مجموعة من الفنادق والمنتجعات يتم تشغيلها من خلال أقوى وأميز الأسماء العالمية في مجال الفندقة والضيافة.
هذا الإنفاق الضخم يمثل عنصر جذب مهم للمستثمرين المصريين في في القطاع الترفيهي الوليد بالمملكة، وفي بلد لا تزيد أعمار نصف سكانه على خمسة وعشرين عاماً، وهو ما يرفع جدوى الاستثمار في القطاع الترفيهي ويجعلها استثمارات طويلة المدى، مع الأخذ في الاعتبار التوجه العالمي للقطاع الترفيهي، وهو توجه يميل كثيراً للوسائل الرقمية، حتى مع زيادة الاستثمار ببعض القطاعات الأخرى، كدور السينما.
في المقابل، لن يكون الطريق مفروشا بالورود بالطبع أمام المستثمرين المصريين، فمن المتوقع أن يبادر منافسون من مختلف دول العالم للفوز بتلك الكعكة الهائلة، لا سيما من فرسان صناعة الترفيه في العالم، وبخاصة الولايات المتحدة والهند والصين واليابان، وحتى على المستوى العربي لن يخلو الأمر من منافسة من دول مثل لبنان.
يضاف إلى تلك المنافسة التحديات التي يواجهها قطاع الترفيه في المملكة، وتتمثل في محدودية خيارات الترفيه، وقلة المرافق والمنشآت الترفيهية وتركزها في المدن الكبرى، ومحدودية الاستثمارات في النشاط الترفيهي والإنفاق على نشاطات التسويق، وتدني جودة الخدمات المساندة لقطاع الترفيه، ومحدودية القوى العاملة المحلية المؤهلة ذات الخبرة في المجال.
وهذه كلها وإن بدت للوهلة الأولى تحديات صعبة، لكنها يمكن أن تمثل فرصا كبيرة إذا ما أحسن المبادرون استغلالها.