تتواصل محاولات كل من روسيا وإيران لترسيخ معادلة إقليمية ودولية أقرب إلى أفلام هوليوود منها إلى الواقع السياسى الإقليمى والدولى.
على الرغم من التناقضات الصارخة بين موسكو وطهران ورفض روسيا القاطع تكوين أحلاف أو حالفات عسكرية، إلا أن إيران تسعى بكل الطرق والأساليب لإعلان أى شكل من أشكال التحالف بينها وبين روسيا، وإمكانية دخول أطراف أخرى إليه مثل النظام السورى، أو دول قريبة إلى إيران مثل أذربيجان.
الرئيس الإيرانى حسن روحانى وصل الأحد 7 أغسطس الحالى إلى العاصمة الأذربيجانية باكو، على رأس وفد كبير يضم وزراء ومسؤولين، حيث كان فى استقباله نظيره الأذربيجانى إلهام علييف، وذلك فى إطار قمة باكو بين قادة روسيا وإيران وأذربيجان الإثنين 8 أغسطس، حيث تحضر ملفات عديدة على طاولة المباحثات، من بينها السفن والطاقة والمواصلات والحبوب والمزروعات والتجارة والاقتصاد، ومكافحة الإرهاب.
الرئیس الإيرانى أكد عشية زيارته إلی باکو علی الأهمیة البالغة للقمة الثلاثیة، واعتبر أن الاجتماع الذى سیعقده مع نظيريه الأذربيجانى والروسى فى باكو، یعقب قمة قادة الدول الثلاث التى عُقِدَت مؤخرا فى إینجه برون، وسبقها لقاء طهران، فيما سيتوسط قضايا البحث المطروحة على طاولة روحانى بوتين علييف، مشروع “شمال جنوب” للنقل بين الدول الثلاث. وأشار روحانى إلى أهمية قمة باكو وتوقيتها فى ظل ما يشهده الشرق الأوسط من أزمات وأحداث.
ولفت روحانى النظر إلى أهمية الاجتماع الذى سيعقده فى باكو مع نظيره الروسى، مذكّرا بما أحرزته إیران وروسیا فى السنوات الأخیرة وما أسستا له من علاقات استراتیجیة، تجسدت فى الشراكة “الطيبة” بينهما فى معالجة القضایا الإقلیمیة والدولیة. وبين القضايا ذات الأهمية المطروحة على جدول قمة الزعماء الثلاثة إلى جانب مکافحة الإرهاب والتعاون الإقلیمی، أفرد روحانى مشروع “شمال جنوب”، معتبرا إياه “نعمة عظیمة للبلاد”، ومعيدا إلى الأذهان أنه سيمتد عبر بلاده من الهند إلى غرب أوروبا.
أما الرئيس الروسى فلاديمير بوتين، فقد أعلن أن إنشاء منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الاقتصادى الأوراسى وإيران، يمكن أن يعطى دفعة قوية لتنمية التجارة والاستثمار. وقال إن “دفعة قوية للتجارة الروسية- الإيرانية والاتصالات فى مجال الاستثمار قد تمنح فرصة لإنشاء منطقة تجارة حرة بين الاتحاد الاقتصادى الأوراسى وإيران”. وأشار إلى أن موسكو مهتمة بتعزيز الشراكة مع إيران فى الشؤون الإقليمية وأنه يرى فى ذلك “عاملا مهما فى الحفاظ على الاستقرار والأمن على مساحات شاسعة من أراضى آسيا الوسطى، ومنطقة بحر قزوين، حتى الشرق الأوسط”. وذهب إلى أن روسيا ستواصل دعم رغبة إيران فى أن تصبح عضوا كامل العضوية فى منظمة شنغهاى للتعاون.
المعروف أن منظمة شنغهاى للتعاون تضم كلا من روسيا والصين وكازاخستان وقرغيزستان وطاجيكستان وأوزبكستان، ومنحت المنظمة صفة مراقب لكل من منغوليا والهند وإيران وباكستان وأفغانستان. وفى شهر سبتمبر 2014 تقدمت كلا من باكستان والهند بطلب رسمى للحصول على العضوية الرسمية فى منظمة شنغهاى للتعاون. كذلك تطمح إيران أيضا للحصول على العضوية الكاملة فيىالمنظمة، فيما تقدمت كلا من سريلانكا وأرمينيا بطلب للحصول على صفة عضو مراقب فى المنظمة. وبقيت كل من بيلاروسيا وتركيا وسريلانكا تمتلك صفة “الشريك فى الحوار” فى إطار هذه المنظمة.
الرئيس الروسى وصف إيران باعتبارها شريكا منذ فترة طويلة لروسيا، مشيرا إلى أن تخفيف حدة التوتر فى الدول المجاورة لإيران بعد الاتفاق بشأن برنامجها النووى “سيفيد العلاقات الثنائية. وأوضح أن حجم التجارة المتبادلة بين البلدين ارتفع خلال 5 أشهر من العام الجارى بنسبة 70% ليصل إلى 855 مليون دولار. وأكد أن “روسيا تعتزم منح ايران قرضين ائتمانيين حكوميين، بقيمة 2 مليار و200 مليون يورو لتمويل بناء محطة حرارية لتوليد الكهرباء قرب مدينة بندر عباس على الساحل، وتمويل مشروع كهربة السكك الحديدية (جرمسار – اينتشى بورون) شمال شرق البلاد. هذا إضافة إلى التخطط لإنشاء 8 مفاعلات نووية جديدة فى إيران. وأعلن بوتين فى هذا الصدد بأن روسيا ستواصل مساعدة الشركاء الإيرانيين فى تنفيذ خطة العمل على البرنامج النووى الإيرانى، بما فى ذلك إعادة تدوير اليورانيوم المخصب والتحول إلى القدرة على إنتاج نظائر مشعة مستقرة.
وفى ما يتعلق بالتعاون بين أذربيجان وروسيا، رأى بوتين أن نمو صادرات المنتجات الزراعية الأذربيجانية إلى روسيا، وزيادة صادرات الأسمدة والمعدات الزراعية الروسية تلعب دورا هاما فى زيادة التبادل التجارى. وقال إن “هناك دورا هاما فى زيادة حجم التجارة المتبادلة، ويمكن أن يلعب نمو الصادرات من المنتجات الزراعية الأذربيجانية إلى السوق الروسية دورا إضافيا.. وكذلك زيادة صادرات روسيا إلى أذربيجان من الأسمدة والمعدات الزراعية اللازمة لزيادة المساحات المزروعة”. كما رأى الرئيس الروسى أن العلاقات بين البلدين تحمل طبيعة الشراكة الاستراتيجية. كما أن تطوير الاتصالات الوثيقة بين رؤساء الدول والحكومات والبرلمانات فى البلدين، تعمل على تعميق التعاون وتبادل المنفعة فى المجالات التجارية والاقتصادية والاستثمارية، فى مجال الطاقة والبنية التحتية والنقل، وصناعة السيارات والرعاية الصحية.
المعروف أنه على الرغم من ظروف السوق غير المواتية والصعبة التى يمر بها الاقتصاد العالمى، إلا أن أذربيجان تحتل المركز الخامس فى التجارة الخارجية لروسيا مع بلدان رابطة الدول المستقلة بعد بيلاروسيا وكازاخستان وأوكرانيا وأوزبكستان، أما روسيا فتحتل المركز الأول فى استيراد السلع الأذربيجانية. وبلغ حجم التبادل التجارى بين روسيا وأذربيجان خلال الأشهر الـ5 الأولى من العام الحالى بلغ 568 مليون دولار أى أقل بالمقارنة مع نفس الفترة من العام الماضى، ولكن البلدين قادران على إعادة التجارة بينهما إلى مسار النمو المستدام.
ووفقا لبيانات دائرة الجمارك الفيدرالية الروسية، ففى عام 2015 انخفض حجم التبادل التجارى بين روسيا وأذربيجان بنسبة 30% إلى 2 مليار و800 ألف دولار مقارنة مع عام 2014 حيث كان يبلغ 4 مليار دولار. ولم تتمكن الدولتان إلى هذا الحين من التغلب على هذا الوضع، وبنتيجة الأشهر الـ5 الأولى من العام الحالى بلغ حجم التبادل التجارى 568 مليون دولار أى منخفضا بنسبة حوالى 53% مقارنة مع نفس الفترة من عام 2015.
وأعرب بوتين عن أمله فى تنفيذ مشاريع التعاون بين موسكو وباكو، بما فيها توريد مصنع “أورال فاجون زافود” الروسى لصناعة القطارات والعربات العسكرية منتجاته إلى شركة السكك الحديدية الوطنية الأذربيجانية، وتزويد باكو بناقلتى نفط روسيتين، وإطلاق صناعات دوائية مشتركة بين البلدين. وأوضح بوتين أن مشروع “شمال جنوب”، سوف يتوسط مباحثات قمة باكو، “إذ يهدف إلى إيجاد أفضل الفرص لحركة البضائع والتجارة بين الهند وإيران ودول الخليج عبر أذربيجان وروسيا، ومنها إلى شمال أوروبا وغربها”.
الرئيس الأذربيجاني إلهام علييف أعلن أن بلاده تعتزم الإسهام فى تمويل مشروع “شمال جنوب” للنقل بين الهند وإيران ودول الخليج عبر أذربيجان وروسيا، ومنها إلى شمال أوروبا وغربها. وقال إنه “يتم اتخاذ خطوات ذات أهمية على مسار تنفيذ مشروع شمال جنوب، حيث من المزمع أن تنتهى بلادنا وحتى نهاية العام الجارى من مد سكتها الحديدية فى إطار هذا المشروع حتى حدودنا مع إيران، وقد وقعنا على مذكرة تفاهم لتعجيل إنجاز المشروع ككل”. وأكد الرئيس الأذربيجاني أن أهمية “شمال جنوب” لا تنحسر فى نطاق مصالح الدول التى سيمر عبر أراضيها فحسب، بل يمثل أهمية قاريّة”، مشيرا إلى أن لقاء بوتين وروحانى معه فى باكو سيشهد تبنى خطوات تاريخية فى إطار تنفيذ هذا المشروع.
والمعروف أن خط “شمال جنوب” سيمتد على مسافة 7200 كلم ليربط دول شمال أوروبا وجنوب شرق آسيا عبر السكك الحديدية الأذربيجانية والإيرانية والروسية. ومن المقرر أن يمر عبر هذا الممر ما لا يقل عن 5 ملايين طن من البضائع سنويا، على أن تزداد قدرته التمريرية فى مرحلة لاحقة إلى 10 ملايين طن فى السنة.
أما العلاقة بين إيران وأذربيجان فهى تتنامى بشكل سريع. إذ أعلن وزير الاقتصاد الأذربيجانى شاهين مصطفاييف أن الاستثمارات الإيرانية فى أذربيجان تجاوزت قيمتها مليار ونصف المليار دولار، بما في ذلك نحو 94 مليون دولار فى القطاع غير النفطى. وتعمل فى البلاد 450 شركة بمشاركة الرأسمال الإيرانى. هذا إضافة إلى تشييد مصنع لصناعة السيارات فى أذربيجان، والذى من المقرر بناؤه ضمن مشروع مشترك مع إيران، حيث وتبلغ قيمة المشروع 15 مليون دولار، يساهم الجانب الإيرانى بـ25% منها. ومن المخطط أن تتم صناعة 10 آلاف سيارة سنويا فى هذا المصنع، وتصدير حوالى 20% منها. هذا وقامت شركتا “أذ يورو كار” الأذربيجانية، و”إيران خودرو” الإيرانية بتوقيع 6 وثائق تخص مختلف الأمور المتعلقة بصناعة السيارات.
وعلى الصعيد السياسى إقليميا ودوليا، أعلن مساعد الرئيس الروسى يورى أوشاكوف أن زعماء روسيا وأذربيجان وإيران سيناقشون الوضع فى الشرق الأوسط وخاصة سوريا، وكذلك أفغانستان والتصدى لتنظيم داعش الإرهابى، مشيرا إلى أن بعض النقاط الساخنة مثل سوريا وأفغانستان تقع بالقرب من حدود الدول الـ3. وقال أوشاكوف إن موسكو ستعرض على طهران وباكو التعاون وتنشيط تبادل المعلومات حول التنظيمات الإرهابية من أجل منع تسلل وتهريب المسلحين والمخدرات والسلاح عبر حدود الدول الـ3.