تعكس مسميات “تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية” أو ما يُسمى بـ”عملية الختان” في بعض الدول الإفريقية ثقافة الشعوب فيما يخص المرأة وعفتها. فيتم إطلاق اسم الطهارة على عملية الختان في مصر، بينما تُسمى في السودان بالطُهر. ويطلق عليها في اللغة البامبرية بمالي غسيل الأيدي، وفي اللغة الإيجبو بنيجيريا المضي نحو القدر، أما في الصومال فيُعرف ذلك الإجراء بالخياطة.
وتمتد الجذور العميقة لتقليد الختان في أكثر من 28 دولة إفريقية وعدد قليل من الدول الآسيوية. وقدرت منظمة الصحة العالمية أن هناك ما يقرب من 100 إلى 140 مليون امرأة خضعن لهذه التجربة، وفقا لدراسة أُجريت في عام 2010. وحسب دراسة أجرتها جامعة هولير العراقية فأن السيدات ينظرن للختان على أنه جزء أساسي من الثقافة الكردية. كما أنهن لايزلن يؤمن أن ممارسة الختان ضرورية لتجنب الحرج الثقافي أو وصمة العار، وللحفاظ على وضع جيد في المجتمع. ويعد ذلك أحد أهم الأسباب لممارسة ختان الإناث في العديد من الدول والثقافات. حيث أظهرت بعض الدراسات أن التقاليد الاجتماعية والثقافية هي الأسباب الرئيسية. كما اقترحت إحدى الدراسات أن العامل الرئيسي لاستمرار هذه الممارسات هو العادات والتقاليد الموروثة في الأسرة من الأمهات إلى الفتيات.
ووفقا لهذه الدراسة، فإن الختان منتشر في إقليم كردستان العراقي بنسبة 40% وتقل النسبة في المناطق الحدودية مع تركيا، بينما قد تصل في بعض المناطق الريفية إلى 70%.
وننتقل إلى دولة الصومال. لقد قدرت منظمة الصحة العالمية أن 98% من السيدات الصوماليات تم ختانهن في عام 2006. منهن 90% تعرضن لختان فرعوني. ولا يزال النظام القضائي في الصومال يهمل هذه القضية، ومع ذلك برزت في السياسة الجنسانية الوطنية لعام 2009 – 2012 باعتبارها واحدة من أعنف الممارسات ضد الفتيات والسيدات.
في عام 2006 تم تأسيس منظمة “نفيس”* بواسطة 23 منظمة من المنظمات غير الحكومية في الصومال، وتهدف إلى مكافحة تشويه الأعضاء الأنثوية من خلال تقديم خدمات لأعضائها، مثل التعليم والإمداد بالمعلومات حول هذا الإجراء وتعزيز السيدات وكسب تأييدهن. وحسب دراسة سويدية أُجريت عام 2013، فإنه بعد فترة من نشاط هذه المنظمة ارتفعت نسبة الوعي لدى المرأة الصومالية، فتقول إحدى المشاركات في الدراسة: “لا أجد أي ميزة في الختان الفرعوني. فتغيير طبيعة الأعضاء الجنسية مشكلة كبرى. هل تعي ما معنى إغلاق باب المنزل نهائيا. أليس ذلك مشكلة؟”. بينما رفضت اثنتان من المشاركات ختان ابنتيهما. وقالت إحدهما إنها اتخذت ذلك القرار لأنها لا تريد لابنتها أن تعاني كما عانت هي، وأعلنت: “لم أتوقع أن أجري عملية ختان لابنتي أبدا. لا يهمني إذا كان يمكنها أن تحصل على زوج. فأنا لا أريد لها أن تخوض تجربتي”. وأعلن العديد من المشاركات أنهن بدأن في معارضة الختان الفرعوني عندما علمن إنه مخالف للشريعة الإسلامية. وأنهن عرفن من شيوخ الإسلام إن الطريقة السنية المتبعة أكثر استحسانا.
لكن تبقى القيود والمفاهيم الاجتماعية والدينية الخاطئة كشبح يخيم على المحاولات الناجحة للحد من تلك الإجراءات العنصرية العنيفة. فتعلن بعض المشاركات أن الضغوط أكبر من قدرتهن. وعند سؤال إحدى السيدات “هل يوجد مشكلة إذا لم يتم لمس الفتاة؟ قالت نعم، إنها تظل قذرة ومتسخة حتى تنزف فور ختانها”. بينما تقول أخرى: “لن يصمتوا، وسينعتوا المرأة غير المختتنة بأقذع الألفاظ، سيقولون إنها ليست عذراء أو إنها قذرة بكامل أعضائها”. وتعبر سيدة صومالية عن رأيها قائلة: “كان ثمة اعتقاد راسخ منذ عدة سنوات أن الختان الفرعوني جيد، ولم أر به ما يشوبه. ولكن تغير هذا الاعتقاد كثيرا في الوقت الحاضر، وأصبح الناس يتبعون السُنة في الختان. فالطريقة السُنية أفضل وليس لها آثار طبية جانبية على عكس الفرعوني، كما أن ديننا أمرنا أن نتبعها.. لقد غيرت رأيي فيما يخص الختان الفرعوني منذ ما يقرب من عشر سنوات.. وأدركت أنه تقليد سيئ ولا يمت للإسلام بصلة، وبعد أن استمعت إلى شيوخنا، اقتنعت أن الطريقة السُنية أفضل ويجب اتباعها. كما إن هناك اتجاه عام للتخلي عن الختان الفرعوني والتوجه إلى الختان الإسلامي”.
كما أفادت دراسة أجرتها وزارة الشؤون الإسلامية عام 2008 في جيبوتي حول تلك الظاهرة، شملت ألف سيدة، أن 87% منهن تعرضن للختان بينما كانت هذه النسبة أعلى نسبيا عام 1997، حيث بلغت نحو 90%. ودعا رئيس الهيئة العليا للفتوى في المجلس الأعلى الإسلامي في جيبوتي الشيخ عبد الرحمن شمس الدين إلى الفهم الصحيح لمعاني الأحاديث المروية عن الرسول صلى الله عليه وسلم الخاصة بختان الإناث. قائلا إن أغلب هذه الأحاديث ضعيف وغير معتمد والصحيح منها في غير محل الاستدلال.
ورغم أن المملكة العربية السعودية تعتبر واحدة من أسوأ السجلات الخاصة بحقوق المرأة، فإن ختان الإناث غير منتشر بها سوى في المناطق التي تتبع المنهج الشافعي السني. ونجد مصر على النقيض من ذلك، فوفقا لتقرير المسح الديموجرافي والصحي لمصر عام 2008، فلقد بلغ معدل انتشار ختان الإناث 91% بين السيدات اللواتي تتراوح اعمارهن بين 15 – 49 عام، بينما بلغ 74% بين الفتيات اللاتي تتراوح أعمارهن بين 15 – 17 عام.
وحسب تعريف منظمة الصحة العالمية فإن الختان هو عملية تتضمن إزالة جزئية أو كلية للأعضاء التناسلية الأنثوية دون وجود سبب طبي. وتختلف طريقة ممارسة هذه العملية حسب المكان والتقاليد لكنها تجري في بعض الأماكن دون أي تخدير موضعي وقد يستخدم الموس أو السكين بدون تعقيم أو تطهير في المناطق الريفية والنائية. ويختلف العمر الذي تجري فيه هذه العملية من أسبوع بعد الولادة وحتى سن البلوغ. وفي تقرير أعدته منظمة “يونيسيف” فإن مصر وإثيوبيا ونيجيريا والسودان هي أكثر الدول التي تمتلك أعداد فتيات مختونات حول العالم.
وقسمت منظمة الصحة العالمية عملية تشويه الأعضاء التناسلية الأنثوية إلى 4 أنواع رئيسية حسب مقدار الأنسجة والأعضاء المبتورة. يشمل النوع الأول إزالة جزء أو كل البظر. والنوع الثاني إزالة كلية أو جزئية للبظر والشفرين الصغيرين. أما النوع الثالث فهو ما يعرف باسم الختان الفرعوني، وهو أحد أسوأ أنواع الختان. حيث يتم إزالة كل الأعضاء التناسلية الأنثوية الخارجية وترك فتحة صغيرة لمرور البول والدم. ويتم عمل تلك الفتحة بإدخال شيء ما في الجرح قبل التئامه، وبعض المناطق تستخدم أدوات تقليدية كغصون الأشجار أو أحجار وغيرها. والنوع الرابع يشمل نطاقا واسعا من العمليات والأفعال التي تجري للأعضاء التناسلية الجنسية. وعرفته منظمة الصحة العالمية بأنه جميع الإجراءات الأخرى الضارة للأعضاء التناسلية التي تجري دون سبب طبي، كالكي والوخز والشق والثقب والكشط وغيرها.
وتستمر محاولات الحد من تلك الظاهرة حول العالم، فتطور الأمر إلى علاج السيدات المختتنات. فلقد دونت مبعوثة الأمم المتحدة وعارضة الأزياء الصومالية واريس ديري تجربتها مع الختان في سيرتها الذاتية “زهرة الصحراء”. ثم أعلنت تأسيس جمعية تحمل اسم كتابها، تدعم قسم مساعدة ضحايا ختان الإناث الذي افتتح حديثا في مستشفى فالدفريده بالعاصمة الألمانية. وهو قسم يعيد تركيب البظر واستعادة وظيفته، ويشير الطبيب الجراح رولاند شيري إلى إنها عملية في غاية التعقيد، نظرا لأن الجرح مر عليه وقت طويل وندوبه غالبا تكون عميقة.
وتتحمل جمعية “زهرة الصحراء” جميع نفقات العلاج بالنسبة للسيدات اللواتي لا يتوفر لهن تأمين صحي. وهو ما يعني أن كل سيدة حول العالم يمكنها أن تلجأ للمركز لإجراء العملية. ولا يعد ذلك القسم هو الوحيد في ألمانيا، ففي مستشفى مدينة آخن، يشرح مدير قسم الجراحة والتجميل الدكتور دان مون أوديي، كيف أنه حصل على العديد من المكالمات من قبل أطباء النساء والتوليد، لمعرفة طريقة إجراء عملية استعادة البظر.
كما أعلنت منظمة الصحافة الإفريقية في بيان صحفي، إنه سيتم افتتاح أول مستشفى من نوعه لعلاج ضحايا ختان الإناث في إفريقيا. واسترجاع قدرتهن على الممارسة الجنسية الطبيعية وذلك بمدينة بوركينا فاسو. وسيكون الافتتاح في يوم 7 مارس المقبل بحضور سيدة بوركينا فاسو الأولى. وهكذا يستمر العالم في المكافحة والتوعية ضد تلك الممارسات الشنيعة التي تنتهك حقوق المرأة في كل يوم في دول العالم الثالث.