للتشاؤم أسبابه المنطقية كما أن للتفاؤل أيضاً أسبابه المنطقية، و بناءً عليه يصبح التساؤل المنطقي المناسب هو : أي منهما ينبغي علينا أن نبذل المجهود من أجل ترجيح كفته، التشاؤم أم التفاؤل؟
بالنظر إلى ما قد اعترى نفسيات الناس من خربأة اجتماعية ومليطة أخلاقية وما قد اعترى نفسية البلد من هرطشة سياسية وهرتلة اقتصادية تصبح الإجابة هي التفاؤل طبعاً هو ما ينبغي علينا أن نبذل المجهود من أجل ترجيح كفته.
و لو كنت مكان هؤلاء المتشائمين لكنت قد خرجت من مأزق التَوَهان في غابة التشاؤم عن طريق تغيير طريقة تفكيري قليالً للوصول إلى أقرب محطة للتفاؤل على طريق تلك الحياه الخدعة.
فبنظرة بسيطة من حولنا على ما حدث فى مجتمعنا العجيب – والعجيب هى الصفة الأنسب – من تغيير هائل على كافة الأصعدة، و بالنظر إلى ما حاق به من تدهور على كافة المستويات يأتي على رأسها التدهور الأخلاقي الكفيل وحده بإفساد أي شيء و كل شيء، والكافي تماماً لإيصال مؤشر كافة المجالات التي تخص أي حاجة في البلد إلى أسفل العداد حيث النقطة صفر، بالنظر إلى كل هذا تصبح الأخالق هي أهم ما ينبغي علينا استرجاعه لكي نس تطيع استرجاع أي حاجة تانية من تلك الحاجات الكثيرة التي فقدناها على مدار السبع تلاف السنة اللي فاتوا.
المشكلة أننا بعد أن لاحظنا أن السفينة على مشارف الغرق و بات لزاماً علينا التضحية ببعض حمولتها والتخلي عن جزء منها و رميها في البحر، وقع اختيارنا – للأسف – على الأخلاق لنرميها، طوحناها في عرض البحر غير مكترثين بما يعنيه
غياب الأخلاق عن سفينة في عرض محيط كوكبنا الأرضي التعس، لم يدرك أحد أنه قد تخلى عن الحمولة الأهم على السفينة، الحمولة التي بدونها تخرب كل حاجة، وهذا ما قد حدث.
إذا أراد مؤرخ أن يوجز ما حدث في مصر على مدار الست سنوات المنصرمة في جملة مفيدة واحدة يستطيع أن يقول: “غابت الأخلاق”، وإذا عاد الزمن بأم كلثوم كانت ستغني “وغابت الأخلاق” بدلاً من “ودارت الأيام”.
فغياب الأخلاق هو الملمح الرئيسي الذي اندرجت تحته و تفرعت منه باقي الملامح الأخرى لتلك الفترة الملتبسة والغامضة والعجيبة والمريبة من تاريخ مصر الجميلة بمنتهى العجب والعجيبة بمنتهى الجمال.
ليه التعليم بايظ ؟ لأن مافيش أخلاق .. ليه صحة المواطنين خربانة ؟ لأن مافيش أخلاق .. ليه الكهربا رجعت تقطع كل شوية بالليل في البيوت بينما عواميد النور منورة فى عز الضهر في الشوارع؟ لأن مافيش أخلاق .. ليه إرهابيين وهمج زى عصابة الإخ وان قدروا يوصلوا لحكم مصر لمدة سنة بحالها ؟ لأن مافيش أخلاق .. ليه المواطنين بقوا بيشتموا بعض بمنتهى السهولة في الشوارع وفي المؤتمرات وفى برامج التليفزيون وعلى الفيسبوك؟ لأن مافيش أخالق .. ليه كل شيء بيحصل أصبح مادة للسخرية و للإفيهات و ليه الجد دخل في الهرتلة والإشاعة دخلت في الحقيقة و الخبر الصحيح اختلط بالخبر المغلوط لينتجا خبر ثالث هجين مالوش علاقة بالموضوع الأصلى للخبر؟ لأن مافيش أخلاق .. ليه الكل بقى بيصدر أحكامه بمنتهى السهولة والبجاحة والعين الجامدة على التانيين على الرغم من أنه ما بيهوبش ناحية إصداره للأحكام على نفسه ؟ لأن مافيش أخلاق .. لماذا أصبح الإبتذال هو المسيطر على المشهد العام ؟ لأن مافيش أخلاق.
لهذا كله، ينبغي علينا بذل أقصى ما نستطيعه من مجهود و من خلق لأسباب عودة الأخلاق التي غابت عنا في ظروف ليست غامضة حتى نستطيع استرجاع التفاؤل.
ففي مثل تلك الأجواء التي تسيطر فيها الطاقة السلبية على الأرواح يصبح توفير أسباب التفاؤل والبحث عن مصادر الطاقة الإيجابية بمثابة فرض عين على كل من يريد حقاً تقويم تلك البلد من عثرتها.
تفائلوا، واحرصوا على استعادة الأخلاق،و قبل أن تتتشائموا أنظروا حولكم، أي نعم الهمجية باتت هي سيدة الموقف في تعاملات الناس مع بعضهم البعض، إلا أننا على الأقل ما بناكلش بعض في الشوارع، إذا وصل الإبتذال إلى درجة أن الناس بقوا بياكلوا بعض في الشوارع بالمعنى الحرفي للكلمة، عندها تس تطيعون أن تقلقوا وتتشائموا براحتكم، و طالما أن هذا لم يحدث بعد ينبغي عليكم أن تتفائلوا.
تفائلوا، فعلى الأقل لا تزال هناك فرصة لأن نعود بني آدمين مرة أخرى. و تلك الفرصة في حد ذاتها سبباً وجيهاً جداً للتفاؤل .