لا يخفى على أحد وجود علاقة شراكة وطيدة بين تركيا وداعش، والإخوان، لتحقيق مايسمى بـ”مشروع إقامة الخلافة”، التي يتخذها أردوغان سبيلا لبسط نفوذه في المنطقة العربية بالكامل.
وروجت قوى الإسلام السياسي وفي مقدمتها تنظيم الإخوان الإرهابي، للتجربة التركية على اعتبار أنها النموذج المثالي للحكم بالمنطقة، وأنها أقرب نموذج للديمقراطية الإسلامية، واستعادة مشروع الخلافة الإسلامية التي تم اسقاطها فى عشرينات القرن العشرين.
وخلال مرحلة ثورات الربيع العربي، تحولت سوريا والعراق وليبيا، إلى معسكرات جهادية مسلحة، وكانت تركيا هي اللاعب الأساسي في دعم كيانات المتطرفة ومدها بالسلاح والمال، وتدريبها على أيدي عنصر أمنية تركيا.
ومن ثم فتحت تركيا حدودها للجهاديين الراغبين في الانضمام لداعش بالمرور من البلاد إلى سوريا، وحظت التنظيمات الجهادية بسوريا برعاية تركية رسمية.
وكان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، صرّح في يوليو 2012 (وكان حينها لا يزال رئيساً للوزراء) بأن بلاده ستشكل قاعدة لتدريب “المقاتلين”، بحجة الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد.
حلم أردوغان بتتويجه خليفة للمسلمين والعرب، كان ظاهراً في حديثه لوسائل الإعلام التركية، حيث قال في سبتمبر(أيلول) 2012: “إننا نمشي على خطى جدودنا الفاتحين، بدءاً من السلطان ألب أرسلان، وصولاً إلى السلطان محمد الفاتح”.
وأكد مراقبون أن تنظيم داعش هو الذراع التركية الإرهابية المسلحة في منطقة الشرق الأوسط، متهمين أنقرة بتقديم الدعم الكامل لداعش منذ ظهوره نهاية 2014، موضحين أن المخابرات التركية هي من قامت بتوجيه داعش في بداية 2014 للانفصال عن تنظيم القاعدة، وإنشاء معاقل رئيسية له في الأراضي السورية والعراقية.
وتعاونت تركيا مع تنظيم داعش الارهابي خلال الفترة التي سيطر فيها التنظيم الإرهابي على النفط السوري والعراقي، ويعد نظام أردوغان المشتري الوحيد للنفط المنهوب من سوريا والعراق، وأكد مراقبون أن تركيا هي الدولة الوحيدة التي استطاعت شراء البترول من تنظيم “داعش” المسيطر على آبار النفط في سوريا والعراق.
وكشفت تقارير استخبارتية غربية عن تخصيص معسكرات تركية على الحدود مع سوريا والعراق لاستقبال المسلحين والدفع بهم إلى صفوف تنظيم داعش الإرهابي، كما أنشأت أنقرة ممرات آمنة على أطراف المدن السورية لدخول مقاتلي داعش إلى الأراضي السورية.
وتنوع الدعم التركي لتنظيم داعش الإرهابي بين الدعم المادي من تسليح المقاتلين بأحدث الأسلحة والذخيرة، وإنشاء معسكرات تدريبية مزودة بأحدث الوسائل داخل التراب السوري والتنسيق المشترك بين داعش وتركيا، والملاحظ أن تنظيم داعش الإرهابي لم ينفذ عملية إرهابية واحدة ضد تركيا على الرغم من ارتباطها بحدود مشتركة مع سوريا وتنقل عناصر التنظيم داخل مدن تركيا.
فيما تتهم الحكومة السورية النظام التركي بتدريب وتسليح الجماعات الإرهابية في سوريا عبر فتح الحدود للإرهابيين والسماح بدخول متفجرات وصواريخ إلى داخل التراب السوري، وتوفير الملاذ الآمن للمتطرفين الفارين من العراق واحتضانهم في عدد من المدن التركية وتزوير هوايات شخصية لهم للدفع بهم إلى أوروبا لتنفيذ عمليات إرهابية تخدم الأجندة التركية التي تهرول نحو عضوية الاتحاد الأوروبي وتستخدم ورقة اللاجئين السوريين لتحقيق أجندتها.
تجدر الإشارة إلى أن رئيس المركز الروسي للمصالحة الفريق “سيرجي كورالينكو”، أعلن في 2016، أن قوافل من الشاحنات المحملة بالأسلحة تصل على مدار الساعة للمناطق السورية التي تسيطر عليها جبهة النصرة وأحرار الشام قادمة من تركيا.
وكان الصحفي الفرنسي لورينت ريتشارد قد ذكر في برنامج تليفزيوني أنه التقي مدير إدارة مكافحة الإرهاب بمدينة شانلي أورفا التركية مطلع 2014، وكشف له أن المقاتلين في سوريا يتم علاجهم بالمستشفيات التركية مع تخصيص حراسة لهم من الشرطة.
وبتاريخ 2 ديسمبر 2015 عرضت وزارة الدفاع الروسية صورا من الأقمار الصناعية تظهر فيها شاحنات البترول تنتقل من مناطق سيطرة داعش بسوريا إلى داخل الحدود التركية وذلك في مقابل توريد الأسلحة والذخيرة.
لا تتوقف علاقات تركيا بتنظيم داعش والجماعات الإرهابية على دول جوارها سوريا والعراق، فالعلاقة بين الطرفين تمتد لدول ينتشر فيها التنظيم مثل ليبيا ومصر.
تدمير ليبيا
وفي يناير 2019، ضبط الجيش الليبي، حاوية تحوى الالاف المسدسات التركية المهربة إلى داخل ليبيا عبر حاوية يبلغ ارتفاعها 20 قدم.
وقالت قوات الجيش الليبي، أن مهربي الأسلحة التركية حاولوا التمويه لتهريب المسدسات عبر وضع بعض المواد المنزلية وألعاب الأطفال، وأن كميات الأسلحة التركية المهربة بلغت 556 كرتونة بواقع 36 مسدس في كل كرتونة.
وفي يناير 2018، ضبطت سلطات خفر السواحل اليوناني سفينة شحن تركية محملة بالأسلحة كانت في طريقها إلى ميناء مصراتة الليبي وذلك في خرق تركي لقرار مجلس الأمن بحظر تصدير السلاح إلى ليبيا.
ونقلت وكالة الأنباء اليونانية الرسمية أن السفينة عثر بها على 29 حاوية بها مواد تستخدم في تصنيع القنابل وأعمال الإرهاب.
ولم تكن حادثة السفينة التركية باليونان هي الأولى في دعم نظام أردوغان للإرهاب والفوضى بليبيا، ففي سبتمبر 2015 جرى احتجاز السفينة “حداد 1” في المياه اليونانية، وكانت تنقل أسلحة من تركيا إلى ليبيا، وتضم حاويتين و5000 قطعة سلاح، ونصف مليون قطعة ذخيرة تبين أنها تعود لتاجر الأسلحة “لطيف ارال آليس” المعروف بقربه من أردوغان.
التآمر على مصر
لم يكن بعيد عن الجيمع جرائم الجناح المسلح لتنظيم الإخوان الإرهابي، وحجم العمليات التي نفذها ضد المدنيين وضباط الجيش والشرطة منذ سقوط حكم الجماعة في يونيو 2013، وحتى اللحظة الراهنة.
فجميع هذه العمليات تم التخطيط لها ودعمها ماليا، من داخل تركيا، ومن خلال التعاون المشترك بين المخابرات التركية القطرية وقيادات الإخوان الهاربة في اسطنبول.
ومن أشهر الكيانات المسلح التي أنشأتها تركيا داخل مصر بهدف زعزعة استقرارها وأمنها، تنظيم “حسم”، وتنظيم “لواء الثورة”، الذي يقوده يحيى موسى، الإخواني الهارب إلى تركيا، والمتورط الحقيقي في عملية اغتيال النائب العام المستشار هشام بركات، بتمويل ودعم تركي.
فلم يكن هناك أفضل من جماعة”الإخوان” لتمتطيها تركيا لترسيخ مواقعها في العالم العربي نظراً للتوافق العقائدي والأيديولوجي بين “حزب العدالة والتنمية” الحاكم في تركيا وتوجهات جماعة الإخوان وامتداداتها في العالم العربي.
وقد اعتبرت أنقرة أن علاقاتها القوية مع حركة الإخوان التي تمتد أذرعها في قطاع كبير من الدول العربية، يمكن أن تسهم في تأكيد الدور العالمي الذي يمكن أن تضطلع به تركيا، لاسيما وأنها نسجت علاقة قوية مع الحركة الأم في مصر.
وعقب سقوط حكم الإخوان في مصر، تحولت تركيا إلى مركز إقليمي لاجتماعات التنظيم الدولي للإخوان، حيث شهدت مدينة اسطنبول عدداً من الاجتماعات التي استهدفت وضع خطط مواجهة النظام الجديد في مصر.
وجاءت هذه الاجتماعات برعاية تركيا وقطر التي تبحث هي الأخرى عن دور إقليمي بغطاء إخواني تركي، خصوصاً أنها لا تملك أدوات صنع الصراع الرئيسة، وهي القوة البشرية والجغرافية.
ففتحت تركيا أراضيها للإخوان فكانت منصة للهجوم على النظام المصري، وخرجت من أنقرة محطات فضائية مصرية بتمويل تركي خصصت كل أوقاتها للترويج لجماعة الإخوان والتشنيع بالنظام المصري.
تحالف المصالح التركي الإخواني تمثل في رغبة “أردوغان” في احياء مشروع الخلافة العثمانية المزعومة، وهى السياسة التي كان قد اعترف بها مستشار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، ياسين أكطاي، قائلاً: “إن إسقاط الخلافة تسبب في فراغ سياسي في المنطقة، وقد سعى تنظيم الإخوان لأن يكون ممثلا سياسيا في العالم نيابة عن الأمة، البعض منا يستخف بقوة الإخوان ويقول إنهم عبارة عن جماعة صغيرة، لكن جميع الحركات الإسلامية اليوم ولدت من رحم جماعة الإخوان”.
وأضاف أكطاي، في لقاء تلفزيوني، أن لجماعة الإخوان “فروعها الخاصة وفقهها الخاص، وهي تمثل اليوم ذراع للقوة الناعمة لتركيا في العالم العربي، فهذه الجماعة ترحب بالدور التركي في المنطقة، وهم بالتالي ينظرون إلى الدور التركي على أنه النائب للخلافة الإسلامية التي تم إسقاطها سابقا”.
وفي أبريل 2017، عرض مقطع فيديو للرئيس التركي رجب طيب أردوغان يعترف فيه بالتآمر ضد مصر عن طريق إرسال عناصر من إرهابيي “داعش” ممن كانوا في مدينة الرقة السورية إلى سيناء للقيام بأعمال إرهابية تخريبية تهدد أمن البلاد.
ونشر موقع “دوجروسو نيوز” التركي مقطع الفيديو الذي يتحدث فيه أردوغان ويعترف بتآمره ضد مصر، في كلمة ألقاها أمام أعضاء حزبه الحاكم في تركيا في 5 ديسمبر 2017، تساءل خلالها: “هل تعرفون إلى أين سيتم اقتياد مقاتلي داعش الذين كانوا في عمليات الرقة؟”.
واتبع أردوغان تساؤله برد سريع قائلاً: “سيتم إرسالهم إلى صحراء سيناء المصرية، وسيتم استخدامهم هناك، وبعد ذلك سنتابع مهامهم هناك عن قرب”.