ترامب يتوعد روسيا بالصواريخ الذكية القادمة إلى سوريا المُدمْرة بالفعل، والسعودية تضرب اليمن وتعزل قطر بحفر قناة حولها وتشن حرب كلامية مستمرة على إيران النووية، و”تحرش عسكري” في شمال قبرص وجنوب الصين، والجماعات الإرهابية تنتشر بشكل سرطاني حول العالم، واليمين يصعد بسرعة الصاروخ لمنصة قيادة الكرة الأرضية التي تم تمهيدها لحرب عالمية باردة.. أو ساخنة.
انتهت الحرب العالمية الثانية منذ 73 عامًا، بعدها بدأت الحرب الباردة بين القطبين الصاعدين، الولايات المتحدة الأمريكية والاتحاد السوفيتي، وحلفائهما، نتج عن الحرب، كأي حرب، ارتفاع أسعار الوقود والذهب وانخفاض حركة الاستثمار العالمية، ولكن هذه المرة كانت الدول الكبرى قد تعلمت من درس الحرب العالمية الأولى، ولم تدمر ما تبقى من اقتصاد العالم، حيث لم يتم فرض عقوبات على الدول المهزومة بل قام المنتصرون بإعادة إعمار الدول المُدمرة، وهذا هو النموذج المُتبع منذ خطة مارشال التي أعادت إعمار أوروبا بعد الحرب العالمية الثانية حتى إعادة إعمار العراق وأفغانستان في الألفية الجديدة، وهذا لمحاربة صعود التطرف، إسلامي أو يساري أو يميني، بالإضافة إلى خلق أسواق لاستهلاك بضائع الدول المنتصرة، وهذا بالطبع يفرض المزيد من حرية التجارة ورؤوس الأموال والعمل، وليس القيود الموضوعة حاليًا.
من المحتمل أيضا ظهور أقطاب جديدة بعد الحرب، فالحرب العالمية الثانية أنهت سيطرة فرنسا وانجلترا على العالم لمصلحة قطبين جديدين، الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي، وربما يظهر دور أكبر للصين والهند بعد فترة من الأن، ليس فقط اقتصاديًا بل سياسيًا وعسكريًا، وهو ما يستتبع زيادة النفوذ الاقتصادي خارج إقليمهما، وليس مجرد النمو.
خلال الحرب الباردة ظهرت مؤسسات بريتون وودز، البنك الدولي وصندوق النقد ومنظمة التجارة العالمية، ومن المرشح أن تشهد الفترة القادمة أيضا دور أكبر لمؤسسات تعبر عن القوى الصاعدة الجديدة مثل البنك الأسيوي ومؤسسة بريكس التي تضم كبار الدول النامية (الصين والهند وروسيا والبرازيل وجنوب أفريقيا).
فيما يخص مصر علينا دائمًا النظر للأمام ومحاولة الاستفادة من أي وضع، وهذا يعني زيادة الارتباط بالقوى الاقتصادية الصاعدة والحصول على جزء أكبر من كعكة إعادة إعمار الشرق الأوسط، واتباع سياسات تحفز الاستثمار الداخلي حال تباطؤ نمو حركة الاستثمار العالمية.
ولكن علينا أيضًا الأخذ في الاعتبار أن صعود اليمين المتطرف حول العالم كان نتيجة مباشرة للأزمة المالية العالمية، فقد فضل السياسيون لوم المهاجرين والفقراء وسياسات الانفتاح والتحرر بدلًا من علاج خلل المنظومة الاقتصادية في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، كما ذكر الفيلم الاقتصادي الشهيرThe Big Short الحاصل على جائزة أوسكار أفضل سيناريو حقيقي، وهذا الأمر تغير قليلًا فخلال العامين الماضيين بدأ الاقتصاد العالمي في التعافي بوضوح، وقد نجحت ألمانيا، قائدة الاقتصاد الأوروبي في العبور بسلام من فخ اليمين المتطرف بفضل القيادة الاقتصادية الجيدة والمتوازنة لأنجيلا ميركل، ومن المتوقع أن يتراجع صعود اليمين خلال السنوات القليلة القادمة مع تحسن الاقتصاد العالمي، وبالتالي تنخفض احتمالات استمرار المشاحنات الدولية والحروب الباردة والساخنة، فإذا نجح عقلاء العالم في الصمود أمام نزعات الحرب في المدى المتوسط فهذا سيكون أفضل لاقتصادنا وللعالم أجمع.