لا يكتمل شهر رمضان عند النابلسيون إلا بحلوى القطايف التي لا تكاد تخلو منها أي مائدة رمضانية، إذ يعتبر تقديمها شرط في أي وليمة في جميع البيوت من مختلف شرائح المجتمع الفقيرة والميسورة.
هناك وبين الأزقة والأروقة العتيقة في خان التجار في نابلس القديمة وفي مبنى تجاوز عمره 150 عاما يجتمع أبناء المرحوم عبد الرزاق التمام والذي انتقل إلى جوار ربه قبل عدة أشهر، يجتمعون الثلاثة تحت سقف أقدم محل لصنع القطايف وبيعها في نابلس.
رائد الابن الأكبر (37) عام يقول “ورثنا هذا المحل الذي افتتح عام 1927 عن أبي الذي ورثه هو الآخر عن أبيه وجده، مشيرا إلى صور أبيه وجده المعلقة في إحدى زوايا المحل العتيق، مبينا أنه قد تعلم المهنة من والده منذ كان في السابعة من عمره، إذ كان يساعد والده في صنع القطايف فكان يستخدم كرسيا خشبيا مازال موجودا في المحل وربما عمره تجاوز الـ100 عام وبقي شاهدا على عراقة محل التمام، فيصعد عليه ليستطيع أن يصب عجينة القطايف على بلاطة الفرن، فأتقن المهنة ومازال يمارسها حتى اليوم.
* من فرن الحطب إلى الغاز
وعن التطور الذي شهدته مهنة صنع القطايف يقول رائد: “في الماضي كانت المهنة شاقة ومتعبة أكثر من اليوم فكنا نعجن العجينة يدويا فنستهلك وقتا أكبر في إعدادها وكانت الأفران على الحطب ومرتفعة، لغاية أواخر السبعينات فيما بعد أدخلنا العجانة الآلية وأفران الغاز الأمر الذي ساهم في زيادة كمية الإنتاج في وقت وجهد أقل”.
* في رمضان إقبالا أكبر
يتابع رائد حديثه وهو يصب أقراص القطايف ويراقبها: “إن القطايف تراث وعادة فلسطينية ونابلسية والناس يقبلون على شرائها وأكلها في رمضان أكثر من أي وقت آخر، إضافة إلى الإقبال على شرائها في أيام الشتاء، في شهر رمضان نجتمع أنا وإخوتي للعمل في المحل من الساعة الخامسة فجرا إلى ساعات المساء لتلبية كل ما يطلبه الزبائن من قطايف عصفوري وقطايف حجم وسط وأخرى بالحجم الكبير والتي نعدها بنفس الطريقة التي كان يعدها أجدادنا وفي نفس المكان الذي تجاوز عمره 150 عام فيعود بناءه إلى الحقبة العثمانية.
أما في بقية أشهر السنة فيتولى أحدنا العمل في المهنة لتدني نسبة الشراء؛ فشهر رمضان هو موسمنا، فتجد الناس مصطفين كل يوم بالطوابير لشراء القطايف، ويضيف: “زبائننا دائمون لا يتغيرون، إضافة إلى أهالي القدس والداخل المحتل الذين يتسابقون على شراء القطايف من هنا لتميزها وجودتها”.
* خميرة عربية
يؤكد التمام أن الخلطة ليست سرية والإقبال على محلهم يرجع إلى تمسكهم بالصنعة على أصولها وكما ورثوها عن جدهم، فنستخدم الخميرة العربية في العجينة ونرفض استخدام الخميرة الأفرنجية التي تتغير نكهتها بعد مدة، ونحضر العجينة من الطحين “الدقيق” والماء والخميرة على أن تكون العجينة لينة دون استخدام السميد والحليب أو أي نكهات ثم نسكبها على الصاجة وهي ساخنة بأحجام مختلفة.
الصغيرة جدا -وتسمى قطايف عصافيري- وهي أغلى سعرا بسبب الجهد والتركيز الكبيرين في تحضيرها ويشير إلى أن هذا النوع من القطايف يحشى بالقشطة وتغلق الحبة نصف إغلاق ويرش على القشطة الفستق الحلبي المطحون، وأقراص قطايف أكبر من العصافيري وهي العادية وتحشى بالجبن أو اللوز والجوز،أما النوع الثالث فهي تلك الكبيرة التي تشبه حجم رغيف الخبز البلدي وتوضع في صينية كاملة ويوضع عليها حسب الرغبة المكسرات أو الجبن، ثم تغطى بقرص آخر ونفس الحجم وتوضع في الفرن لشيها”.
ومن الجدير ذكره أن بعض المصادر تشير إلى أن تاريخ صنع القطايف يعود للعصر العباسي والأموي والفاطمي في مصر، حيث كان بعض صانعي الحلوى يتنافسون في صنعها وعرضها على الخليفة هناك، وقد سميت بهذا الاسم لتشابه ملمسها مع ملمس قماش (القطيفة) وهو المخمل.