يأتي الطفل إلى هذه الحياة وهو غير مرغوب ولا مطلوب؛ لأن الأم منذ البداية مترددة في حمله وولادته، كان هناك توترًا وقلقًا، والطفل يشعر بأحاسيس وأفكار أمه، فعندما تفكر الأم بالإجهاض، يشعر الطفل بالتهديد والخوف، إنه جزء من جسم الأم وكل ذبذبة تنتقل إليه، وسيرجف لأنه معلق بين الحياة والموت.
بعدها سيولد الطفل بطريقة ما، وتظن الأم أن الحمل حصل صدفة أو خطأ، لأن الأهل استخدموا موانع الحمل بأنواعها، لكنها فشلت، والطفل قد وُلد الآن، لذلك عليهم تحمله.
هذا التحمل ليس حب!!.. لذلك نجد أن الطفل يفتقد إلى الحب منذ أيامه الأولى، والأم أيضًا تشعر بالذنب لأنها لا تعطي ما يكفي من الحب.. الطبيعة أعطتها الكثير، لكنها لا تستطيع سوى تقديم القليل؛ لذلك تبدأ بالتعويض والتبديل، تُجبر الطفل على الأكل الكثير، إنها لا تستطيع ملء روح الطفل بالحب، لذلك تحاول ملء جسمه بالطعام، بديل عن الأصيل.. عندئذٍ راقب ما يحدث بين الناس.
هناك كثير من الأمهات مريضات نفسيًا، الطفل يقول: «أنا لستُ جائعًا»، لكن أمه تستمر بإجباره وحشوه، لا تستمع أبدًا لرأي وإحساس الطفل.. الأم تعوض النقص، لأنها لا تستطيع إعطائه الحب؛ لذلك تعطيه الطعام!!
بعدها يكبر الطفل، والأم لا تستطيع إعطائه الحب؛ لذلك تعطيه المال، وهكذا يصبح الطعام والمال بديلان عن الحب، ولهذا وصلنا إلى هذه المصيبة؛ فالطفل بدوره يتعلم أيضًا أن المال أهم من الحب، ويقتنع بأنه «إذا لم يكن في قلبك حب، فلا شيء يدعو إلى القلق أبدًا.. لكن عليك دائمًا أن تعمل بجهد جهيد لتحصل على المال».
وبعدما يكبر الطفل يصبح طمّاعًا كبيرًا، يركض وراء المال مهووسًا وعابدًا له؛ لذا فقد صار حالنا كما قال «ابن عربي»: «معبودكم تحت قدمي».. وبعد أن قتلوه اكتشفوا أن تحته جرة من الذهب!!
ومستقبلاً، لن يهتم الطفل أبدًا بالحب، لكنه سيقول: «الأشياء الأهم أولاً، يجب أن أحصل على منزل وسيارة وحساب في البنك، وعندها فقط يمكنني أن أحب وأتحمل تكاليف الحب»، لكن الحب ليس بحاجة لأي مال! تستطيع أن تحب كما أنت مهما كان حجم جيوبك.. المهم هو حجم قلبك.
وإذا كنتَ تعتقد أن الحب يحتاج إلى مال وبدأت تركض وراءه، يومًا ما ستحصل على المال، لكنك فجأة ستجد أنك «فارغ».. لقد ضاعت كل هذه السنين في تجميع المال، ولم تضع السنين فحسب، بل مضت كلها دون أي اختبار للحب!!
والآن المال موجود أمامك، لكنك لا تعرف كيف تحب، لقد نسيتَ لغة القلب والإحساس والرفق، لغة الحب والنشوة والعشق.