نرى أن بعض رجال الدين -القديسين بالاسم- يقولون لك: «إنك تعيش في بؤس ومُعاناة، لأنك تعيش ضمن الدنيا وضمن العائلة»، ويقولون لك أيضًا: «ازهد.. اترك كل شيء!» ومنطقهم يبدو سليمًا، ليس لأنهم على حق، بل لأنك أنت لم تعرف ما هي «المشاركة في الحياة»؛ وإلا لظَهرَ لك هؤلاء الدعاة مخطئين جدًا.
الإنسان الذي عرف المشاركة والتشارك سيكون أقوى من أي شرك؛ لأنه عرف الجامع الواحد الأحد من خلال الآخر.. الإنسان المتزوّج «الحقيقي» قد عرف الرحمن وتجاوز حدود الزمان.. لكن الحياة المشتركة غير موجودة وتعيشون معًا دون معرفة أو علم، تعيشون بهذه الطريقة سبعين أو ثمانين سنة دون معرفة أي شيء عن الحياة، وتنجرّون من طريق إلى طريق بدون جذور، تمرّ الأيام والشهور دون تذوّق نِعَم الحياة!!
هذا السر لا يُعطى لك بالولادة؛ لأن الحكمة والاختبار ونشوة الصحوة يجب أن تطلبها وتتعلّمها بنفسك، وهنا أهمية التأمل، عليك أن تبذل المجهود في الجهاد الأكبر لكي تنمو وتسمو في عالم التأمل، أن تصل إلى درجة من «النضوج»؛ عندها فقط ستعرف ما هو النضوج، والحياة ستفتح أبوابها لك في لحظة معيّنة من النضج، لكن أغلب الناس يعيشون ويموتون بطفوليّة وعبثية، لا يكبرون أبدًا في الوعي رغم أنهم يكبرون في العمر ويقتربون من حافة القبر.
ما هو النضج؟ أن تُصبح ناضجًا جنسيًّا وجسديًّا لا يعني أنّك ناضج الآن.
اسأل علماء النفس عن هذا، ستجدهم يقولون لك إن «متوسط العمر الفكري للبالغين يبقى حوالي ثلاثة عشر إلى أربعة عشر عامًا مهما كبروا بالعمر». إذن؛ فجسدك المادي يستمر بالنمو، لكن فكرك يتوقف في مرحلة قريبة من عمر الثلاثة عشر، لذلك لا تستغرب تصرّفاتك الحمقاء أحيانًا.. وأحيانًا في كل الأحيان!!
الفكر الذي لم ينمو بعد، حتمًا سيصنع الأخطاء في كل الأوقات، والفكر الطفولي دائمًا يرمي المسؤولية على الآخر.. بمعنى أنك حينما تشعر بالحزن تعتقد أن الآخرين جميعهم من حولك يصنعون لك البؤس والجحيم، كما يقو «سارتر»: «الآخر هو الجحيم».. إلا إنني أؤكد أن هذه المقولة طفولية جدًا ولا علاقة لها بأي حكمة أو علم؛ إذا كنتَ ناضجًا، يمكن للآخر أن يصبح الجنّة أيضًا، الآخر مرآة لك تعكس صورتك كما أنت، فكُن جميلاً ترى الوجود جميلاً.