تسبب تزامن حدوث المشكلات لدى البعض مع يوم الثلاثاء في شيوع اعتقاد بأن ثمة حالة من سوء الحظ المزمن تلازم هذا اليوم، وهو ما يظهر واضحًا على مواقع التواصل الاجتماعي في كل يوم ثلاثاء حين يظهر هاشتاج “#النهاردة_التلات” في قائمة الأكثر تداولًا، إذ يشاركه المستخدمون للسخرية من تعقد أمور حياتهم اليومية خلال هذا اليوم، ولكن ما مدى صحة هذا المعتقد، نحاول فيما يلي عرض مختلف وجهات النظر حول الموضوع.
رأي العلم
لم يثبت علميًّا وجود سبب ملموس يسبب ما يعرف بحالة “النحس” التي يوصف بها يوم الثلاثاء، فمن المعروف أن ما يفنى من الزمان أو الأيام لا يمكن تكرار أحداثه مرة أخرى، فالأيام مجرد وحدات زمنية تتشابه كتشابه أمواج البحر المتتابعة، فبانتهاء كل يوم يبدأ آخر جديد مساوٍ له في المدة وربما الأنشطة الروتينية التي اعتدنا عليها، ولكن لا يوجد ما يسمح بتكرار نوعية معينة من الأحداث في يوم بعينه من أيام الأسبوع، إذن فأحداث كل يوم قائمة بذاتها ولا ترتبط بما قبلها أو بعدها من أيام.
ويُرجع خبراء علم البرمجة اللغوية العصبية وعلوم الطاقة الروحية ما نمر به من مواقف خلال حياتنا اليومية، لنتاج أفكار تدور في رأسنا جذبت إلينا مواقف مشابهة لها، بمعنى أن من حدثت لهم مواقف صعبة في يوم الثلاثاء تسللت إلى عقولهم فكرة أن مثل هذه المواقف ستتكرر خلال أيام الثلاثاء القادمة، وهو ما يتسبب لهم بالفعل في حدوث مواقف سلبية، لذلك فإن الحل يكمن في تغيير معتقادتنا وأفكارنا عن هذا اليوم والتعامل معه كأي يوم عادي.
رأي الدين
نهت تعاليم الدين الإسلامي بشكل عام عن التشاؤم (التطير) من الأشخاص والأيام لأنه يتعارض مع حسن الظن بالله، ووردت الكثير من الأحاديث في النهي عن التشاؤم منها ما ذكر عن السكوني عن جعفر بن محمد عن أبيه عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ” لاتسّبوا الرياح فإنها مأمورة ولاتسبّوا الجبال ولاالساعات ولا الأيام ولاالليالي فتأثموا وترجع إليكم”، وهو نهي صريح عن وصف الأيام بـ”النحس”.
أورد الأمام مسلم في صحيحه حديث دار حوله جدلًا كبيرًا بين العلماء “خَلَقَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ التُّرْبَةَ يَوْمَ السَّبْتِ ، وَخَلَقَ فِيهَا الْجِبَالَ يَوْمَ الْأَحَدِ ، وَخَلَقَ الشَّجَرَ يَوْمَ الِاثْنَيْنِ ، وَخَلَقَ الْمَكْرُوهَ يَوْمَ الثُّلَاثَاءِ، وَخَلَقَ النُّورَ يَوْمَ الْأَرْبِعَاءِ، وَبَثَّ فِيهَا الدَّوَابَّ يَوْمَ الْخَمِيسِ، وَخَلَقَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَام بَعْدَ الْعَصْرِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فِي آخِرِ الْخَلْقِ ، فِي آخِرِ سَاعَةٍ مِنْ سَاعَاتِ الْجُمُعَةِ فِيمَا بَيْنَ الْعَصْرِ إِلَى اللَّيْلِ”.
واختلف العلماء حول الحكم في هذا الحديث وانقسموا إلى فريقين: أولهما رأى أن الحديث ضعيف ومنهم الإمام البخاري وعلي بن المديني ويحيى بن معين وعبد الرحمن بن مهدي، وأرجعوا ضعفه بسبب علل في متنه وإسناده، بالإضافة إلى مخالفته صراحة نص قرآني يخبرنا بأن خلق السموات والأرض كان في 6 أيام وليس سبعة كما هو وارد في الحديث.
الفريق الثاني يعتقد في صحة الحديث ومتنه وسنده اعتمادًا على سند وإخراج الإمام مسلم له، وكذلك بن حبان فى صحيحه والشيخ الألباني في السلسلة الصحيحة، ورد أصحاب هذا الرأي على الفريق الأول فيما يتعلق بأن الحديث يتعارض مع النص القرآني بأنه لا تعارض، إذ إن الحديث الشريف يروي تفاصيل مراحل الخلق في يومين فقط من بين الـ6 أيام التي ورد ذكرها في القرآن، وأن السبعة أيام التي ذكرها الحديث تشير إلى مراحل زمنية لا تعني أيامًا كاملة من طلوع الشمس إلى مغربها.
وأيًّا ماكانت حقيقة الأمر فإنه لا داعي من حالة القلق التي تنتاب البعض في كل يوم ثلاثاء، وتوقع حدوث مشاكل أو مضايقات خلال اليوم فلنستبشر بالخير دائمًا لنجده ما دامت أقدارنا بيد الله.