بين شعبى النيل ما يجمع لا يفرق، إلا أن بعض الظروف خصوصا مع التغيرات التى تموج بها المنطقة هذه الفترة قد تعكر صفو العلاقة.
لم يفهم الكثيرون سر الهجوم السودانى على مصر، واتهامها بالوقوف ضد نظام البشير، وهو ما استدعى الرئيس السيسى للرد الحاسم، بالقول إن مصر لا تتآمر على أحد، ولا تتدخل فى شؤون أى من الدول القريبة أو البعيدة، كما لم يفهم الكثيرون سر فتح الخرطوم ملف “حلايب وشلاتين” فى الصحافة والإعلام السودانى، فى هذا الوقت بالذات.
السر يكمن فى طريقين، سارت فيهما القيادة السياسية فى السودان: الأول هو الحرب بالوكالة التى تخوضها الخرطوم لصالح جهات غير معلومة، ضد قوات “حفتر” فى ليبيا، وهى الحرب التى تقوّض مساعى دول المنطقة لإعادة الأمان للجار الذى يعد الحاضنة الأكثر ملاءمة للإرهابيين، وبالتالى تصديرهم لمصر، لشن عمليات بالداخل.
ولم تملك مصر رفاهية الانتظار والتأنى فى ضرب مواقع الإرهابيين فى ليبيا، خصوصا بعد تكرار أحداث الهجوم على الأقباط الأخيرة، التى راح ضحيتها العشرات. لم تكن تملك رفاهية الاختيار فى شن ضربة خاطفة لمواقع معسكرات المتطرفين، المدعوم بعضهم من النظام السودانى.
الكاتبة السودانية أمل الكردفانى تقول: “فلنراجع الوقائع والملابسات، قبل سنوات قامت إسرائيل بتوجيه ضربات جوية لحدود السودان الشرقية بل وفى قلب العاصمة، مستندة فى ذلك إلى تمويل السودان من خلال إيران لحركة حماس، أى أن السودان كان يمارس حربا بالوكالة لمصلحة إيران، وليس لمصلحة السودان، ولا حتى لمصلحة حماس والقضية الفلسطينية”.
وتضيف: “اعترف النظام بتسليمه كميات ضخمة من السلاح للحركات الإسلامية فى ليبيا لإسقاط القذافى إبان الثورة الليبية بدعم خارجى، أى أنه كان يمارس حربا أخرى بالوكالة”، وهو ما استمر إلى الآن، وبسببه تكثر العمليات الإرهابية فى الداخل المصرى.
أما الطريق الثانى: فهو طريق الدعم القطرى اللامحدود للنظام السودانى، لاستخدامه كورقة ضغط جنوبية على مصر، فى ظل التوتر القائم بين القاهرة والدوحة، على خلفية مساعدة الأخيرة للإخوان المسلمين.
وفى غير الطريقين فإن المجتمع الدولى ينظر إلى السودان نظرة غير مناسبة أو ملائمة لبلد عربى طالما كان يدا واحدة مع أشقائه، وخصوصا فى مصر.
ففى منتصف مايو الجارى أعلنت وزارة الخارجية الأمريكية أن إدراج السودان كدولة راعية للإرهاب لا يزال قائماً، بما يتضمنه من قيود على المساعدات الأجنبية وصادرات ومبيعات الأسلحة، والصادرات ذات الاستخدام المزدوج، إلى جانب قيود على بنود أخرى.
أتى ذلك بعد 6 أشهر منذ تجديد فرض العقوبات على السودان يوم 13 يناير الماضى، حيث إن الخارجية الأمريكية تقدم تقريرين لترامب، أحدهما نصف سنوى، والآخر سنوى يتناول فيه التقدم الذى يمكن أن يفضى إلى الحد من العقوبات، ومن ثم يبدو أنه ليس هناك تقدم، والدليل هو التقرير.
السودان من جانبه وبعد عبارات الإدانة والتشكيك، أطلقت خارجيته خبرا، لا يعرف مدى صدقه، خلال الأيام القليلة الماضية، قالت فيه إن المسؤولين هناك بحثوا مع وفد أمريكى يزور الخرطوم، التنسيق المشترك لمكافحة الإرهاب، وتقدم المفاوضات بين الجانبين تمهيداً لرفع عقوبات تفرضها واشنطن على السودان.
وأوضحت الوزارة، فى البيان، أن وزير الخارجية، إبراهيم غندور، بحث مع وفد أمريكى ضم مدير مكتب المبعوث الخاص للسودان وجنوب السودان، بول سوتفن، وبحضور القائم بالأعمال الأمريكى لدى الخرطوم، أستيفن كوتسيس، التنسيق لمكافحة الإرهاب وخطوات رفع العقوبات الأمريكية.
وأشارت إلى أنه تم الاتفاق مع الوفد الأمريكى على مواصلة تنفيذ خارطة التفاوض المتفق عليها لرفع العقوبات عن السودان، والمكونة من خمس مسارات، أبرزها التعاون فى مكافحة الإرهاب. وطالب الوزير السودانى بالتعاون مع الولايات المتحدة فى الجوانب المتعلقة بدعم السلام ومواصلة الجهود المشتركة فى مكافحة الإرهاب. الخارجية السودانية لم تذكر موعد وصول الوفد الأمريكى إلى البلاد ولا مدة زيارته ولا حتى تاريخ المغادرة.
بعيدا عن هذا وذاك، فإن الأيام المقبلة ربما تشهد تغيرات كبيرة، وربما تعود السودان إلى صف مصر، ليحاربا الإرهاب سويا.