محمود عثمان
الجسد يرتجف إذا ما مررت بأحد المقابر في وقت ما، فماذا لو كنت تعيش بداخلها مع أموات كادوا أن يثوروا على من يقاسمهم التراب؟ فالمكان هناك يتسع للرقود في باطنه وعلي ظهره، لتستيقظ علي منظر الشواهد الصماء، وتنام خائفا من اللصوص الذين يطرقون الأبواب ليلاً، فلا تسمع سوي صمت الموتي و صراخ أقاربهم، ولا تستنشق غير رائحة العظام بعد تحللها، حتي ابتسامة الأطفال اختفت لتحل محلها هموم عميقة أكبر من أعمارهم، كل هذا من أجل دولة حكمت عليهم بالموت قبل الحياة، فلم تسعهم الأحياء الراقية والشعبية أو حتي العشوائيات، فزحفوا نحو الأموات لينعموا براحة البال.
حياة الدنيا بجوار حياة البرزخ، يعيشها فقط آلاف المصريين في المقابر لأنهم لم يجدون بديلًا لمسكنهم من الحكومات المتتالية والمتوالية عليهم، اختاروا الزحف إلى المقابر ليبتعدوا بأنفسهم عن صخب المدن وازعاجها بعيدا عن ضغطهم المستمر على الحكومات بضرورة توفير مسكن لهم ليؤيهم من البرد والحر والظلمات التي يعيشون فيها ليلا نهارا دون مأؤى ومنقذ لهم من ذلك.
ويقول يوسف سلامة، أحد سكان المقابر بمنطقة الدويقة، إن الفرق بينه وبين الميت هو أنه يتنفس والميت لا، واصفاً الهدوء الذي يغمر المقابر بالممل والمحبط؛ فلا شيء يتغير ولا الموتي يستيقظون ولا هم يموتون، والزمن توقف ولا نري بوادر المستقبل، هنا فقط الحلم يظل حلماً ولا يتحقق.
وأوضح أن الحياة في المقابر لها طابع خاص، فبعد غروب الشمس تختبئ السيدات والبنات داخل الأحواش خوفا من متعاطي المخدرات والمنحرفين الذين يتخذون المقابر ملجأ لهم في الليل، أما الحرامية فيطرقون أبوابنا لإثارة الرعب بداخلنا، ففي كل مرة نفتح فيها الباب لا نجد سوي الظلام، ونتظاهر بالسعادة لأننا في أطهر مكان بالأرض.
فيما قال إبراهيم رمضان، ساكن بالمقابر أيضا، إنه يتحدى أن يتواجد أي مسئول في الدولة في مكانه ليبيت أحد الليالي بدلا منه في أحد المقابر، مطالبا الدولة بضرورة النظر لهم ولمشاكلهم والعمل على توفير مسكن يليق لهم في الفترة المقبلة خاصة وأنهم شاركوا في ثورتي مصر للمطالبة بتوفير سكن لهم يأويهم فقط.
وأضاف إن المنطقة مملوءة بعمليات البلطجة وباللصوص خاصة في الوقت المتأخر من اليوم، موضحا أنه من قبل استيقط من النوم وجد قتيلا بالقرب م المقبرة التي يقطنها هو، مشيرًا إلى أنهم يستأجرون المقابر من أصحاب الحوش الذي تتواجد به المقابر.