إذا كنت تمتلك 26 جنيها، فإنك تستطيع في مصر أن تشتري دجاجة أوكرانية بـ14 جنيها وأخرى برازيلية بـ12 جنيها، ولكن هذا المبلغ غير كاف لشراء دجاجة واحدة حاصلة على الجنسية المصرية، لأن ثمنها حاليا 27 جنيها.
من المنطقي أن تمنح الموارد الطبيعية والتقدم الصناعي ووفورات الحجم الكبير بعض الدول مزايا في إنتاج سلع معينة، ومن المنطقي أيضا أن تقوم الدول الأخرى بحماية ودعم صناعاتها، وإلا ما كانت الولايات المتحدة ولا اليابان على سبيل المثال أنتجتا سيارة واحدة.
لكن في مصر الوضع مختلف، فمنافذ البيع التابعة لوزارة التموين، وسيارات نقل وتوزيع الأغذية التابعة لوزارة الداخلية، هي من تقوم بتوزيع الدجاج المستورد الرخيص، ما أثار ردود فعل غاضبة لدى منتجي الدواجن المحليين.
المنتجون المحليون يوفرون ما بين 90 و95% من احتياجات السوق المصري من الدواجن، ويشغلون مئات الألاف من الأيدي العاملة، لكن وزارة التموين فشلت مرات عديدة في السيطرة على أسعار الدواجن، ولجأت قبل ذلك لطرح دواجن مستوردة، لكن المختلف هذه المرة أنها لجأت لدواجن مستوردة قاربت صلاحيتها للاستهلاك على الانتهاء.
ووفقا لما يقول ثروت الزيني، نائب رئيس الاتحاد العام لمنتجي الدواجن، فإن سعر الدواجن البرازيلية غير حقيقي لأن صلاحيتها شهرًا واحدًا، وأنه مستعد لبيع الدجاجة المصرية بـ10 جنيهات فقط “لو باقي على صلاحيتها شهر”.
على العكس، كتب الخبير المالي، هاني توفيق، على صفحته على موقع التواصل الاجتماعي، فيس بوك، أن انخفاض قيمة الجنيه بعد التعويم سيؤدى إلى موت صناعات ليس لدينا فيها ميزة تنافسية، وبزوغ صناعات جديدة.
وأضاف أنه مالم تنشأ محلياً صناعات إنتاج الكتكوت، وعلف الدواجن، والأمصال، ستموت مهنة تربية الدواجن التي كانت تعتمد على استيراد كل ما سبق في الماضي (ويشكل ٨٠٪ من تكلفة الإنتاج).
الأمر الملفت للانتباه أن صحيفة “البورصة”، نشرت تقريرا بالأمس، يقول إن مصانع إنتاج الحديد الصغيرة خفضت أسعارها خلال اليومين الماضيين بقيم تتراوح بين 100 و150 جنيهًا فى الطن بعد انخفاض أسعار الخامات المستوردة، في حين أبقت المصانع الكبيرة أسعارها دون تغيير في انتظار استقرار الأسعار العالمية للخامات.
ومصانع الحديد الكبرى لا تخشى المنافسة لأن الحكومة تفرض رسوم إغراق كبيرة جدا على واردات الحديد والصلب، كما أن حصصها السوقية المحلية يصعب تأكلها، لأن التوسع في الاستثمار في مجال الحديد والصلب يحتاج لوقت طويل ليؤتي أُكله.
مصانع الحديد ليست أولى من مزراعي الدواجن بالحماية الحكومية، ولا توجد دراسة تؤكد تنافسية قطاع حديد التسليح في مصر، فنحن نستورد الخامات والتكنولوجيا، ولا نستطيع منافسة العالم إلا بدعم حكومي، لذا وجب على الحكومة أن تضع معايير محددة للصناعات الواجب دعمها، والصناعات التي تتمتع بميزة تنافسية في مصر، وأن تلتزم الحكومة بهذه المعايير، حتى لا تتضرر قطاعات كبيرة من السكان بسياسات متضاربة، في وقت يعاني فيه الاقتصاد بالفعل من تبعات برنامج إصلاح اقتصادي عنيف.