نافس فيلم “حضور أسمهان الذى لا يحتمل” على جائزة المسابقة الوثائقية بمهرجان بيروت الدولى للسينما فى دورته الخامسة عشرة، ويتناول ما وراء ملامح الفنانة أسمهان من أسرار دفينة لا يعرفها عنها مختلف الأجيال فى العالم العربى.
الفيلم للمخرجة الفلسطينية عزة الحسن على، من إنتاج قطرى- نمساوى مشترك، ويتطرق إلى حياة أسمهان العائلية والفنية القصيرة.
رحلت أسمهان تاركة كومة ألغاز يصعب فك طلاسمها، فرغم عمرها القصير الذى لم يتجاوز 32 عاما، استطاعت أن تشغل الناس بسيرتها، حية وميتة، ففى حياتها كانت الأسئلة كثيرة حول علاقاتها السياسة، وعقب حادث موتها عام 1944 حينما انزلقت سيارتها فى إحدى الترع بمحافظة الدقهلية، ظهرت عشرات الشائعات التى لم تزل تعيش فى أذهان البعض حتى اللحظة.
اسمها الحقيقى آمال الأطرش، ابنة الأمير فهد الأطرش، الذى لعب دورا مهما فى الحياة السياسية فى سوريا، وشقيقها هو الفنان الراحل فريد الأطرش.
وهى ذات صوت شجى ورثته عن والدتها علياء المنذر التى سجلت أسطوانة واحدة بالاشتراك مع المطرب يوسف تاج.
ولدت المطربة أسمهان فى محافظة السويداء بسورية عام 1919، على متن باخرة كانت تقل العائلة من تركيا بعد خلاف وقع بين والدها والسلطات التركية، ليتجهوا إلى سوريا، وتحديداً جبل الدروز بلد آل الأطرش، وهناك عاشت الأسرة حياة سعيدة حتى وفاة الأمير فهد، لتقرر الزوجة بعدها الهروب إلى مصر إثر قيام الثورة السورية الكبرى.
أقامت أسرة أسمهان فى حى الفجالة، وقد عانت أيام بؤس وفقر، حتى إن والدتها الأميرة علياء اضطرت للعمل فى حفلات الأفراح لإعالة الأسرة، وكان فريد حينها فى بداية حياته الفنية، لتبدأ بعده أسهمان تخطو خطواتها الأولى نحو عالم الفن.
شاركت أسمهان أخاها فريد الأطرش العمل فى صالة مارى منصور فى شارع عماد الدين بعد تجربة لها إلى جانب والدتها فى حفلات الأفراح والإذاعة المحلية، ومن ثم راح نجمها يسطع فى سماء الأغنية العربية.
وفى الوقت الذى جاء فيه الأمير حسن الأطرش ليمنع أسمهان من العمل فى المجال الفنى، حفاظاً على سمعة العائلة، وقع فى غرامها وتقدم لطلب يدها، لتوافق أسمهان على الزواج منه تحت ضغط من الأسرة، وتعتزل الغناء.
البعض ربط بين حادثة غرق أسمهان، والروايات التى أشارت إلى تعاونها مع شبكات تجسس بريطانية ومن ثم فرنسية، وألمانية، حيث ذكرت هذه الروايات أن حاجة الأميرة للمال جعلتها فريسة سهلة للمخابرات البريطانية، خصوصا أنها كانت قليلة فى أعمالها، وكانت ترفض إحياء الحفلات الخاصة.
إحدى هذه الروايات ذكرت أن أسمهان اتفقت مع المخابرات البريطانية على أن تساعد بريطانيا والحلفاء فى تحرير سوريا وفلسطين ولبنان من قوات فيشى الفرنسية، وقوات ألمانيا النازية، بإقناع زعماء جبل الدروز بعدم التعرض لزحف الجيوش البريطانية والفرنسية.
وأكدت الرواية أن المطربة عادت إلى زوجها الأمير حسن، بتدخل من البريطانيين الذين أغدقوا عليها المال الوفير، بعد أن نجحت فى المهمة التى طُلبت منها، إذ أقنعت عشائر الدروز -من خلال الأمير حسن الأطرش- بالانضمام إلى الحلفاء، لكن مع الوقت ساءت الأحوال بينها وبين زوجها من جديد، وبالفعل طُلقت منه لثانى مرة، وتخلى عنها الإنجليز بعد رفضها القيام بمهام جديدة، بعد أن تأكدت أنها أدخلت نفسها فى سلسلة من المهام التى لا نهاية لها.
رغبة أسمهان فى العدول عن قرارها بدخول عالم الجاسوسية، تعارضت مع حاجتها الدائمة للمال، إذ قيل إنه بعد تخلى الإنجليز عنها، لجأت للعمل مع الاستخبارات الفرنسية، ومن ثم الألمانية، وبذلك أصبحت عميلة مزدوجة.
بعد طلاق أسمهان من الأمير حسن، تزوجت الفنان والمخرج أحمد سالم عرفيا فى القدس، حيث كانت مقيمة هناك، وعادت معه إلى مصر، لكن زواجهما لم يستمر طويلاً، وانتهى بمحضر فى الشرطة بعد أن أطلق عليها النار فى منزل الزوجية.
المخابرات البريطانية قرّرت التخلص من أسمهان، بحسب بعض الروايات، التى لم تستطع الحفاظ على أسرارها حول علاقتها ببريطانيا والحلفاء، وخيانتها للحلفاء بتعاونها مع ألمانيا، وخلال تلك الفترة كانت أسمهان تصوّر آخر أفلامها “غرام وانتقام”، فاستأذنت من منتج العمل يوسف وهبى لتأخذ قسطا من الراحة، وقررت السفر إلى رأس البر.
وفى رحلتها التى رافقتها فيها صديقتها ووصيفتها مارى قلادة، لقيت المطربة أسمهان مصرعها إثر حادث غرق فى ترعة “الساحل” حاليا، لم ينجُ منه سوى السائق الذى اختفى، بينما انتشل الأهالى جثة أسمهان وصديقتها.
اختفاء السائق أثار الشبهات حول تدبير الحادث لاغتيال أسمهان، الأمر الذى جعل الكثيرين يربطون بين الحادث، ورغبة الاستخبارات البريطانية فى التخلص منها.