فى الوقت الذى لا يتحدث فيه المصريون سوى على الأوضاع الاقتصادية السيئة، ينظر البعض بعين التفاؤل إلى الرجل القوى الذى تم تعيينه اليوم الأربعاء، بقرار جمهوري رئيسًا للبنك المركزى خلفًا لهشام رامز .
يأتى اسم طارق عامر رئيسًا للبنك المركزى، بعد أن كان مرشحًا قويًا منذ سنتين لتولى نفس المنصب، لكن رامز كان الاسم ، الذي اختاره الرئيس المعزول، محمد مرسي عام 2013، ويعود عامر إلى المشهد الاقتصادي في وقت ، يعد الأشد حساسية فى الاقتصاد المصرى ، بعد أزمة الدولار وزيادة عجز الموازنة، وغلاء الأسعار.
وليس جديدًا على عامر دخول البنك المركزي، إذ شغل منصب نائب أول محافظ البنك لمدة 5 سنوات ، انتهت عام 2008، وكانت مهمة فى تاريخه المهنى ، إذ شارك – رفقة فاروق العقدة – فى تنفيذ وإعداد برنامج إصلاح القطاع المصرفى والسياسة النقدية.
ولم تكن تلك السنوات مهمة في تاريخ عامر بقدر أهمية رئاسته للبنك الأهلى المصرى ، منذ عام 2008، واستطاع خلال 4 سنوات من توليه المنصب زيادة ميزانية البنك بنحو 170 مليارًا ، فوق ميزانيته الحقيقية، بحسب إحصاءات وبيانات البنك الأهلي الرسمية، وأعلنها عامر وقت توليه رئاسته.
وربما يكون اسم عامر هو الاسم الأخير في خطة محاولة إنقاذ الاقتصاد المصري، إذ تبشر نتائج رئاسته للبنك الأهلي بأمور قد تبعث على التفاؤل، خاصة بعدما شهد البنك في عهده طفرة قوية ، نجح خلالها في سد فجوة المخصصات المجنبة لمواجهة الديون المتعثرة ، التى كانت تتجاوز 10 مليارات جنيه ، أى ما يعادل 1.6 مليار دولار، كما استطاع من يونيو 2008 إلى يونيو 2012 تحقيق أرباح صافية وصلت إلى 300 مليون جنيه.
وبشهادة الكثير من الخبراء الماليين، فإن عامر من أقوى رؤساء البنك الأهلي، على مدار تاريخه ، خاصة أنه تولى الأمر فى مرحلة اقتصادية أشبه قليلًا بتلك الظروف السيئة، واستطاع تحقيق أرباح صافية تجاوزت 2 مليار جنيه فى النصف الثانى من 2012 ، أى بعد عام ونصف العام من ثورة 25 يناير، كما حقق صافي عوائد من أنشطته المصرفية 5 مليارات جنيه مقابل 8.4 مليار جنيه عن العام المالي 2011-2012.
كان النجاح الذى استطاع عامر تحقيقه في البنك الأهلي مثيرًا للجدل بالنسبة لكثيرين ممن عاصروا الظروف الاقتصادية السيئة والركود الاقتصادي الذى ساد البلاد بعد ثورة يناير، خاصة أنه رغم هذا الركود استطاع البنك الأهلى تحت رئاسة عامر التوسع في منح التسهيلات الائتمانية لعملائه لتتجاوز قروضه 100 مليار جنيه عام 2012 بعد استبعاد المخصصات.
قبل شهر من استقالته المفاجئة من رئاسة البنك الأهلى عام 2013، تجاوزت ودائع البنك 285 مليار جنيه مقابل 278 مليار جنيه نهاية يونيو 2012، وهو الأمر الذى جعل عامر يستند إلى خلفية مهنية وعقلية اقتصادية قوية أهلته اليوم لتولي هذا المنصب.
ورغم هذا النجاح إلا أن عامر لم يسلم من الاتهامات خلال فترة رئاسته للبنك، إذ اتهمه البعض بعد ثورة يناير بعلاقته القوية بنجلي الرئيس الأسبق ، حسنى مبارك، وهاجمه معارضوه متهمين إياه بمخالفات إدارية ومالية جسيمة ، واصفين إياه بالفاسد.
الرجل الذي وقف فى وجه متدربي البنك بعد اجتيازهم الاختبارات ليسمع دعواتهم عليه بعد قوله لهم بلهجة عنيفة: أنا رئيس البنك الأهلي وبقولكم إنتوا ساقطين ومش هتشتغلوا ، هو نفسه الذى شارك فى مظاهرات عارمة ضد النظام السابق ، جنبًا إلى جنب عدد من الشباب هاتفين : الشعب يريد إسقاط النظام.
سياسيًا، آمن عامر بعد ثورة يناير بالتجربة التركية كحل للخروج من الأزمة، محذرًا من الوصول إلى وضع أكثر كارثية مما وصلت إليه مصر بعد نكسة يونيو 1967، خاصة بعد عودة سيطرة المحسوبية والولاء الشخصى على مؤسسات الدولة، واقتصاديًا كان عامر من أشد مؤيدى الحصول على قرض من البنك الدولي بعد الثورة، متهمًا الأصوات المعارضة بأنها غير منطقية، خاصة في تراجع الموارد الدولارية لمصر وانخفاض حجم الاحتياطي النقدى.
وينحدر عامر من عائلة معروفة، فهو ابن شقيق المشير عبد الحكيم عامر، وزير الدفاع الأسبق، وصديق الرئيس الأسبق جمال عبد الناصر، ومازال يتذكر ويحكى كيف كان صغيرًا حين سمع خبر وفاة عمه ، وكيف أنه عانى وعائلته خلال سنوات اضطروا فيها إلى عَيش حياة التنكيل والبطش من رجل كان يحبه ويفتخر به وهو جمال عبدالناصر ، وفقًا لقوله.
يفخر عامر بعمه ابن مصر البار ، كما يحب أن يُلقّبه، ويتذكر سنوات التنكيل بكثير من الأسى، لكنه الآن أمام تحدٍّ أكبر في تاريخه الإنساني والمهني.