عندما نكون مجتمعين مع العائلة أو الأصدقاء أو حتى عندما نمشي في مكان عام نشعر بأن هذا الموقف أو المكان قد مر بنا من قبل، فقد يكون الكلام نفسه والمكان نفسه، بعدها نبدأ باسترجاع الماضي والتذكر وطرح الأسئلة عندما نمر بهذا الموقف ربما في الحلم أو عند تكرار الأحداث نفسها، ولا نبالي إذا قلنا هذا الشيء أمام الجميع؛ لأننا حينها نكون متأكدين بأننا مررنا بهذا الموقف من قبل، فهل لهذه الظاهرة الغريبة أى تفسير ؟
بداية يسمى هذا الامر بوهم سبق الرؤية أو ديجا فو Déjà vu أو ديجاڤو وهى كلمة فرنسية تعنى “شوهد من قبل”، فى إشارة إلى ظاهرة أُطلق عليها هذا الاسم من قبل العالم إمِيل بُويَرْك في كتابه مستقبل علم النفس.
ويقسم بعض علماء النفس هذه الظاهرة إلى ثلاثة أنواع هى :
déjà vécu تم رؤيته سابقاً وبالانجليزية Already seen
وdéjà senti تم الشعور به سابقاً وبالانجليزية Already felt
وdéjà visité تم زيارته سابقاً وبالانجليزية Already visited
وديجا فو هو الشعور الذي يشعر به الفرد بأنه رأى أو عاش الموقف الحاضر من قبل .
يلازم هذه الظاهرة شعور بالمعرفة المسبقة وشعور بـ”الرهبة” و”الغرابة” أو ما سماه عالم النفس فرويد بـ”الأمر الخارق للطبيعة”.
التجربة السابقة التي يهيأ لنا بأننا عشناها عادة ما تكون زارتنا في أحد أحلامنا ولكن فى بعض الحالات ثبتت بأن فعلاً ما نشعر بأنه موقف سابق قد كان حقيقة ووقع في الماضي والآن يُعاد.
التفسير العلمي الأكثر دقة لهذه الظاهرة ربما يرجع إلى شذوذ الذاكرة حينما تعطي مشاعر خاطئة تقول للمخ بأننا عشنا هذا الموقف من قبل لكننا لا نستطيع تذكر تفاصيل الموقف “السابق” (أين, متى, كيف). عندما يمر الوقت, الشخص يستطيع استرجاع بعض التفاصيل المشوّشة في الحادثة الجديدة ولكن من المستحيل استرجاع تفاصيل الحالة الأولى (والتي كانت في بالهم عندما كانوا في الحادثة الجديدة!) وهذا عادة ما يكون بسبب تشابك في الأعصاب المسؤولة عن الذاكرة قصيرة المدى والذاكرة طويلة المدى.
الأحداث تتخزن في الذاكرة قبل أن تذهب إلى قسم الوعي في المخ البشري وتعالج هناك فيما يختزن الدماغ الذكريات فى منطقة عروية في وسطه تسمى الحصين hippocampus .
بعض العلماء حاول إيجاد رابط بين ظاهرة (دَيْ چاڤو) وبين بعض الأمراض النفسية كانفصام الشخصية والقلق ولكنهم فشلوا حيث لم تثبت أى علاقة بين هذه الظاهرة وبين هذه الأمراض.
العلاقة الأقوى وُجِدَت بين (دَيْ چاڤو) و مرض صرع الفص الصدغي في المخ وهذه العلاقة قادت بعض العلماء للتأكيد بأن هذه الظاهرة هي نتاج لخلل في عملية تفريغ الشحنات الكهربائية في المخ. الكثير من الناس يشعر ب”رعشة” سريعة في بعض الحالات (قبيل النوم بلحظات), وهذه الرعشة يرجّح بأنها تحدث أثناء الـ(دَيْ چاڤو) مما تسبب شعور خاطئ في الذاكرة. الذين يشعرون بهذه الرعشات على الدوام, يعانون من تكرار حالة (دَيْ چاڤو) ولكن أغلبها يكون صوتي, حيث يُخيّل له بأنه سمع هذا الصوت من قبل .
ويقول مختص علوم الطاقة د. حسام بعلبك ” حتى الآن لم يجد العلماء أي تفسير مقنع لتلك الظاهرة، لكنهم توصلوا لتفسيرين بشأنها: الأول أن ذلك يرجع إلى أنه خلال تواجدك في هذا المكان أو الموقف تترجم الأحداث إلى إشارات في الأعصاب، فترسل الأعصاب هذه الإشارات الى مركز الذاكرة القصيرة ليتم حفظها هناك، وقد ترسل الأعصاب الإشارات نفسها إلى مركز الذاكرة الطويلة بالخطأ فنشعر بأن هذا الموقف قد مررنا به من قبل، أما التفسير الآخر فهو أن مخ الإنسان ينقسم إلى قسمين، ونرى كثيراً أن شخصاً ما يصاب في حادث بإصابة في الجزء الأيمن للدماغ وتسبب له هذه الإصابة الشلل النصفي في الجانب الأيسر للجسم، والعكس إذا أصيب الجزء الأيسر من المخ يصاب بالشلل في الجزء الأيمن من الجسم”.
وأضاف: “الإنسان بطبعه يدرك الأماكن أو الأشياء بكلا الجزأين، حيث يعملان مع بعضهما، فإذا حدث أن اشتغل أحد الأجزاء قبل الآخر فإنه يرى المكان أو الموقف لكنه لا يكون ملماً بكل صفاته، وعندما يعمل الجزء الآخر فتكتمل عنده الصورة، ويرى الجزء الأول الخصائص التي لم يرها بمفرده، ويكون الجزأين في سباق ليتم دمج العمل مع بعضهما البعض، فيرى الجزء الثاني أن هذا المكان قد سبق أن شاهده، وهذا صحيح، إذ شاهده بواسطة القسم الأول وكل هذا العمل يحدث في أجزاء بسيطة من الثانية”.