وجاء نص البيان كالتالى: إن التزام مصر بنظام نزع السلاح النووى ومنع الانتشار لا يتزعزع على مدار العقود المنصرمة.
ولقد ظل نزع السلاح النووى أولوية قصوى للسياسية الخارجية المصرية، وكذلك فى إطار حركة عدم الانحياز، وذلك فى ضوء الاعتقاد الراسخ بأن الأسلحة النووية تمثل تهديداً خطيراً للسلم والأمن الدوليين، ويتطلب العمل الجماعى العالمى للقضاء عليها كلية.
واسمحوا لى أن أتناول 7 تحفظات محددة بشأن هذا القرار:
أولاً:
مجلس الأمن ليس المحفل المناسب لمعالجة هذه المعاهدة، حيث تقوم اللجنة التحضيرية والسكرتارية الفنية المؤقتة لمنظمة الحظر الشامل للتجارب النووية بفيينا بهذا الدور على أكمل وجه حتى الآن، ومن ثم فإن إقحام مجلس الأمن فى السياق الفنى للمعاهدة يخلق ازدواجية ومسارات موازية لا لزوم لها ويولد مناخاً غير مواتيا يتمتع بصفة العالمية.
إن جميع الدول الأطراف والدول الموقعة على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية يجب أن تشارك بشكل كامل وفعال فى أى مناقشة ذات صلة بالمعاهدة، وأجهزتها الفنية، ونظام التحقق التابع لها، بما يعنى أن تلك الآليات الفنية لا ينبغى أن تكون حكراً على أعضاء مجلس الأمن.
ثانياً:
يظهر بوضوح فشل القرار فى تسليط الضوء على مركزية ومحورية معاهدة عدم الانتشار النووى فيما يتعلق بنظام نزع السلاح النووى. وذلك على الرغم من الإشارات المتواضعة ضمن النص الذى نحن بصدده. علاوة على ما سبق، وفى حين يشجع القرار على تعزيز عالمية معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، فإنه من المدهش أنه لم يشر على الإطلاق إلى ضرورة تحقيق عالمية معاهدة عدم الانتشار النووى. لماذا هناك حرص على تحقيق عالمية المعاهدة، مع التزام الصمت التام عندما يتعلق الأمر بمعاهدة عدم الانتشار؟ هل يمكننا أن نستشعر شيئاً مريباً فى هذا الصدد؟!
ثالثاً:
إذا كان مجلس لديه قلق حقيقى من مخاطر الأسلحة النووية واستعمالها المحتمل أو اختبارها وتجربتها، فإنه من المنطقى أن تكون المعالجة على مستوى العِلة وليس فقط الأعراض، حيث إن المعالجة الحصرية للتجارب النووية فى هذا القرار دون التطرق لضرورة نزع السلاح النووى وإخلاء العالم من تلك الأسلحة اللاإنسانية واللاأخلاقية ذات التدمير الشامل تسمح باستمرار امتلاك الأسلحة النووية، بل وإطالة أمد حيازتها من قِبل الدول التى تمتلكها، وهو الوضع الذى يهدد الاستقرار العالمى.
هذا القرار، وبشكل غير لائق، لا يشير إلى الالتزام المنصوص عليه فى المادة السادسة من معاهدة عدم انتشار الأسلحة النووية، وهى الالتزام القانونى الثابت والذى لا رجعة فيه على عاتق الدول الحائزة للأسلحة النووية، من أجل تحقيق نزع السلاح النووى والوصول إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية دون استثناء.
كذلك فإن هذا القرار يغض الطرف تماماً عن الوثائق الختامية لمؤتمرات استعراض ومراجعة معاهدة عدم الانتشار النووى لأعوام 1995 و2000 و2010، بما فى ذلك الخطوات العملية الثلاث عشرة.
كما أن القرار لا يستجيب بشكل كاف للنصوص الديباجية ضمن معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، والتى تشدد على “ضرورة استمرار الجهود المنظمة والتدريجية لخفض الأسلحة النووية عالمياً، بجانب الهدف النهائى المتمثل فى القضاء التام على تلك الأسلحة، ونزع السلاح النووى الشامل والكامل فى ظل رقابة دولية صارمة وفعالة”.
كان من الأحرى أن يكون نزع السلاح النووى أولوية ضمن هذا القرار، وأن يمثل وثيقة دولية لمنع أى تحديث أو تطوير لمخزونات الأسلحة النووية أو تكريس تلك الأسلحة فى العقائد الاستراتيجية والعسكرية للدول النووية.
وفى هذا السياق، اسمحوا لى أن أغتنم هذه الفرصة لنؤكد رفضنا القاطع لبعض العناصر السلبية الواردة ضمن البيان المشترك بتاريخ 15 سبتمبر الجارى، والذى يشير إلى صيانة المخزونات من الأسلحة النووية، مع الزعم أن هكذا تصرف يأتى فى إطار معاهدة عدم الانتشار النووى.
إن صيانة وتحديث الترسانات النووية يتناقض كلية مع الالتزامات القانونية للدول النووية والأهداف الرئيسية لمعاهدة عدم الانتشار النووى التى تدعو صراحة إلى اتخاذ تدابير قانونية فعالة لنزع السلاح النووى، حيث أن القضاء التام على الأسلحة النووية هو الضمان الوحيد لعدم استخدام أو التهديد باستخدام تلك الأسلحة.
ونتيجة لذلك، فإن حقيقة نزع السلاح النووى غائبة عمليا من هذا القرار، وتقوض بشدة مصداقيته ويضعف فعاليتها. الرسالة التى يبعثها هذا القرار هى: اختبار لا وحيازتها والتحديث من مخزونات نعم.
رابعاً:
إن هذا القرار غير منصف وغير مقبول، حيث إنه يضع الدول التى تمتلك أسلحة نووية مع تلك التى لا تمتلك على قدم المساواة. ترى مصر فى هذا الشأن تحديداً، أهمية تحديد مسؤولية خاصة على الدول الحائزة للأسلحة النووية، والدول غير الأطراف فى معاهدة عدم الانتشار النووى، وهو ما لم يتطرق له هذا القرار فى سياق الملحق الثانى للمعاهدة، مع إن العقل والمنطق يؤكدان بوضوح أن المسؤولية القانونية والأخلاقية بوقف التجارب النووية تقع أساساً على الدول التى تملك فعلياً القدرة على إجراء هذه التجارب.
خامساً:
إن طبيعة القرار، بشكله ونصه الحالى، يعتبر تدخلاً فى أعمال اللجنة التحضيرية والسكرتارية الفنية المؤقتة لمنظمة الحظر الشامل للتجارب النووية، ومن ثم سيأتى بنتائج عكسية على تلك الآليات فى فيينا، بل وسيقوض دورها تماماً إذا استمر مجلس الأمن فى التعامل مع هذا الملف الفنى. إن السكرتارية الفنية هى، هيئة دولية بين الحكومات، ويجب أن تحدد وحدها اتجاهاتها وسياساتها دون تدخل من أجهزة أخرى، بما يحفظ حقها فى اتخاذ القرارات بشكل مستقل، ويجب أن تبقى كذلك على الدوام. لا ينبغى أن يقحم مجلس الأمن فيما لا يعنيه بحيث يكون فى وضعية غير محمودة من التدخل فى عمل السكرتارية الفنية. فإن الأمر متروك للجنة التحضيرية لكى تقرر أسلوب علمها وفقاً لمتطلباتها وخصوصياتها وأولوياتها، وذلك فى إطار تطلعات الدول الأعضاء فيها.
هذا القرار يضع سابقة غير مرحب بها ويمكن أن ينظر إليها على أنها تعدياً من جانب مجلس الأمن على استقلالية المنظمات الدولية والهيئات المنشأة بموجب معاهدات واتفاقيات عالمية، حيث أنه يملى بعض الإجراءات والتدابير التى يتعين الاضطلاع بها، على الرغم من عدم إقرارها من قبل الإرادة الجماعية للدول الأعضاء داخل تلك المنظمات.
سادساً:
إن التقدم المتعلق بنظام التحقق من معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية يقع ضمن اختصاص اللجنة التحضيرية فقط لا غير. ووفقا لمنظمة معاهدة الحظر الشامل التجارب النووية، فقد تم الانتهاء بالفعل من 85٪ من منشآت منظومة التحقق بنجاح. كما نلاحظ التقدم فى جميع الأركان الثلاثة للنظام، وهى: نظام الرصد الدولى (IMS)، والمركز الدولى للبيانات (IDC)، والتفتيش الموقعى. لذا ينبغى الحفاظ على الطابع المؤقت لهذا النظام، وفقا لأحكام المعاهدة، والوضع الرسمى التشغيلى لها حينما تدخل حيز النفاذ.
ويعكس القرار أيضا معضلة محيرة، حيث أنه يتحمس لاستكمال نظام التحقق، رغم أن العديد من الدول الكبرى هنا تتنصل من التزاماتها فى هذا السياق ولا تتحمل مسؤولياتها بالتصديق على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية، وذلك من خلال أجهزتها التشريعية التى ترفض مراراً وتكراراً التصديق على المعاهدة، الأمر الذى يعيق إمكانية نجاح نظام التحقق. ونحن نأمل أن يكون هناك تفسيرا لهذا الانقسام فى السلوك والرسائل المتناقضة من جانب تلك الأطراف.
السيد الرئيس..
على الرغم من هذه التحفظات الخطيرة وشواغلنا الوطنية والجماعية بشأن هذا القرار المعيب وغير الشفاف، قررت مصر الامتناع عن التصويت، حيث كانت مصر من أوائل الدول التى تفاوضت ووقعت على معاهدة الحظر الشامل للتجارب النووية. فنحن نؤيد تماماً أهداف ومقاصد هذه المعاهدة. وإننا نسعى إلى عالم خالٍ من الأسلحة النووية، بما فى ذلك التجارب النووية.
إننا نستنكر بقوة وبشكل لا لبس فيه تلك التجارب النووية المقيتة، ونحن لا نزال ملتزمين بتحقيق عالمية معاهدة عدم الانتشار النووى، وإنشاء منطقة خالية من الأسلحة النووية وسائر أسلحة الدمار الشامل فى الشرق الأوسط. كانت مصر وستظل، من أشد المنادين بنظام منع الانتشار النووى الفعال بهدف القضاء التام على الأسلحة النووية وحظر إنتاجها وتخزينها وتحريم استخدامها أو تجربتها.