أُصبت بحالة من الدهشة البالغة عند متابعة أصداء عزم رجل الأعمال الشهير أحمد عز الترشح للانتخابات البرلمانية المقبلة .
ومكمن دهشتى لم يكن بالتأكيد من قرار الترشح نفسه بل من ردود الأفعال التى صدرت عن عدد ممن يطلقون على أنفسهم نشطاء يناير .. وعفوا لاستخدامى كلمة غير موصفة توصيفا دقيقا أو حتى مفهوما.
البعض انتفض وأخذ يصرخ فى مداخلات هاتفية فى برامج تليفزيونية – كمن لدغته حية رقطاء – بأن ترشح عز انتكاسة ل 25 يناير .. آخرين سارعوا بالمطالبة بمقاطعة الانتخابات البرلمانية .. ومجموعة ثالثة بدأت فى التخطيط لعمل حملة إعلامية وطبع منشورات تحت اسم “احذروا أحمد عز” .. على غرار نداء فيلم حياة أو موت الشهير ” أحمد عز فيه سم قاتل”.
ردود أفعال عجيبة ومذهلة من أناس يرفعون طيلة الوقت شعار الحرية .. يتلفحون به ويتحصنون خلفه ويستغلونه أسوأ استغلال لتحقيق أقصى استفادة منه وكأنه حكر عليهم وحدهم.
ردود أفعال مؤسفة إن نمّت على شىء فإنما تَنُم عن قمة الازدواجية والمراهقة السياسية .. الازدواجية فى التحدث عن شىء وإتيان عكسه .. “وكبر مقتا عند الله أن تقولوا ما لا تفعلون”.
الازدواجية فى التشدق بكلمة حرية كمبدأ سام والدفاع عنه ليل نهار .. وفى نفس الوقت المطالبة بحرمان الآخرين منه .. لا لشىء إلا لأنهم لا يتفقوا معنا فكريا ولا يحملون فى بطاقاتهم الشخصية ختم المواطنة .. ختم 25 يناير.
وكأن المطلوب منا جميعا أن نفكر بنفس الطريقة وننظر نفس النظرة ونتحدث نفس اللغة وننظر لنفس القبلة -قبلة الثورة- وإلا أصبحنا شواذا يجب رجمنا ومحاربتنا.
الحرية يا سادة يا من تسعون إلى قصرها عليكم وحدكم .. هى المبدأ الثانى من مبادىء التنوير الثلاثة للثورة الفرنسية التى تنظرون إليها بفخر والتى اندلعت فى الرابع عشر من يوليو 1789 .. لكنهم هناك فى عاصمة النور والملائكة يفهومونها جيدا .. يفهمون أن من حق كل إنسان أن يكون حرا فى أفكاره ومعتقداته وتصرفاته طالما لم يتعد على حرية الآخرين أو كما يقولون “حريتك تنتهى عند حرية الآخرين”.
هذا هو المعنى الحقيقى للحرية كما أفهمه وكما يفهمه أصحاب العقول الحقيقة التى تفكر .. أحمد عز من حقه أن يترشح كيفما يشاء والناخبون أحرار فى التصويت له أو ضده .. أما أن ترفضوا ترشحه فهو ليس فقط حجرا على حريته هو بل حجرا على حريتى أنا كناخب له حق التصويت وحق اختيار من يمثلنى فى البرلمان.
حديثى ليس دفاعا عن شخص بل دفاع عن مبدأ .. والمبادىء لا تتجزأ .. الجميع – إذا انطبقت عليهم الشروط القانونية – من حقهم أن يترشحوا سواءا كانوا من رجال النظام السابق أو من رجال الإخوان .. والشعب هو الذى يختار بكامل حريته دون قيود ..
أليس هذا ما ناديتم به .. ألم تكن الحرية من المبادىء التى خرجتم قبل أربع سنوات من أجلها ..
أليس هذا ما تقولونه حاليا “لماذا يحاكم ثوار مثل أحمد دومة وعلاء عبد الفتاح لمجرد أنهم يقولون آراءهم ويتحدثون بحرية” رغم أن الحقيقة غير ذلك فهم يحاكمون لانتهاكم قانون التظاهر (حتى لو كنا مختلفين حول بنوده ومواده).
لماذا إذا يا سادة ترفضون الحرية للآخرين .. بل ترفضونها للجميع باستثنائكم فقط ..
عفوا أيتها الحرية .. فكم من الجرائم ترتكب باسمك !!