عندما هبت علينا رياح التخلف الظلامية، في العقود الأخيرة، تراجع الوطن برجاله ونسائه، وانحدرت مكانته في العالم، فالذي يرفض أن تكون المرأة المصرية في قامة المرأة الغربية، كفاءة وقدرة وذكاء، عليه أن يقبل بنفس “الدونية” له كرجل مقارنة بالرجل الغربي.
ولا أعرف كيف غزا هذا الفكر المنغلق، عقول قطاع كبير من المصريين، نتيجة عوامل عديدة علي رأسها المخطط الأمريكي للوطن العربي بأسره، وفي القلب منه مصر وبطبيعة الحال تردي الأحوال الاقتصادية، ومن ثمٓ تفشي الفقر وانحدار مستوى التعليم إضافة إلى انتشار القنوات “الدينية” التي دأبت على بث خطاب التحريض على الكراهية والإقصاء مع التقليل من شأن مفهوم الوطن والمواطنة؛ والأهم انسحاب الدولة وتخليها عن التزاماتها تجاه الأغلبية الساحقة من المواطنين.
فبعد أن كانت المرأة المصرية ملكة في عصور سابقة، ثم وزيرة وأستاذة جامعة وأديبة وفنانة في الأربعينات والخمسينات والستينات؛ توارت إلى الخلف وأصبحت تعتبر نفسها “عورة”، وفق القاموس الكريه لأصحاب الفكر الوافد،
ويتجاهل أصحاب هذا الفكر، قول الله في كتابه الكريم “خلق الإنسان” وليس الرجل أو المرأة، وأنه عزٓ وجلٓ أودع المرأة الرحم، حيث توهب الحياة، ولا حياة لرجل بالتالي، خارج “رحم” امرأة.
لقد شاركت المرأة الرجل في كل مجالات الحياة، فهي رفيقة العمل في الحقل أو المصنع وهي الطبيبة الحانية في المستشفي وهي المعيلة في أحيان كثيرة، ثمٓ أنها شريكة في تحمل أعباء شؤون الأسرة، من مساهمة في النفقات إلى مسؤولية تربية الأبناء، هي بحق مربية الأجيال، وقد كانت ثمرة جهود المرأة، ذلك الشباب الرائع الذي خرج في ثورة يناير، والذي عندما تيقن أن الوطن في خطر، تمرد على المخطط الخياني، وانتفض في يونيو، منتزعًا مصر الحضن والملاذ، من براثن الجماعة وأنصارها، في ثورة أبهرت العالم ووُصفت بأنها: “أكبر حشد بشري في تاريخ الإنسانية”.
فهذا الشباب الواعي، لقنته مبادئ الوطنية والإيثار، وسهرت على غرس القيم النبيلة في وجدانه، الأم المصرية الصابرة الصامدة، رغم كلٓ المصاعب والمعوقات ومحاولات تشويه العقول وطمس الهوية الوطنية؛ نزلت المرآة إلى كل الميادين والشوارع، بجسارة وعزيمة جبارة تشارك في الثورتين وتُشهد القاصي والداني، بل والدنيا كلها على أن “البنت زيٓ الولد” ما هيش “كمالة عدد” كما قال شاعرنا العظيم صلاح جاهين.
ومثلما يستحيل أن يسير إنسان بساق واحدة أو يعمل بيدَ واحدة أو يري بوضوح بعين واحدة، فإن حرمان المرأة من حقها في المواطنة الكاملة، يهدف إلى حرمان الوطن من “نصف” قواه وقدراته وعقوله. والأكيد أن اليوم العالمي للمرأة، له هذا العام مذاق خاص، فقد انتزعت المصرية الاعتراف بأنها لا تقل عن الرجل في أيٓ شئ، بأيٓ حال من الأحوال.. وكما أنه “في البدء كانت الكلمة” فإنه في الأصل كانت المرأة مهد الحياة..وكل عام وكل نساء العالم بخير ومليون تحية للمرأة المصرية “المتمردة الثائرة الحالمة” بوطن كريم، يحتضن جميع أبنائه، دون تمييز ..أي تمييز كان .