لم يكن يدرى جمال الدرة عند خروجه مع أبنه محمد، لشراء سيارة صغيرة، تساعده على تحمل مشاق العمل، أن ذلك اليوم سيغير حياته للأبد، ففيه، ارتقى ابنه إلى السماء، وخلد اسمه مع رموز القضية الفلسطينية.
الحظ لم يحالف جمال ذلك اليوم لشراء ما يناسبه من سوق السيارات بغزة، فقرر العودة إلى بيته بمخيم البريج للاجئين، وفي طريق العودة عند شارع صلاح الدين بقرب مستوطنة “نتساريم” الإسرائيلية بجنوب المدينة، سمع الأب صوت تراشق الرصاصات بطريقة عشوائية بين جنود الاحتلال الإسرائيلي وقوات الأمن الوطني الفلسطيني في احتجاجات امتدت على نطاق واسع في جميع أنحاء الأراضي الفلسطينية، ليقررعدم متابعة السير والإاختباء خلف برميل الأسمنت المسلح، لمدة 27 دقيقة، خوفا على أبنه.
استمر جنود الاحتلال في إطلاق الرصاص، رغم محاولة الأب الإشارة بالتوقف لحماية ابنه من القصف، لكن التوسلات لم تفلح معهم، فتخللت رصاصتهم المتفرقة، جسد الصغير، لتودى بحياته على الفور، وهو متكئ على ساقي والده، الذي أصيب هو الآخر بإصابات بالغة ولكن استطاع تحملها.
توسلات الأب فور رؤية ابنه يحتضر، لم تلقى إجابة، فأخذ يصيح بصوت مدوي “يارب”، ورغم ذلك لم يتوقف وابل الرصاص عليهما لمدة تتجاوز الـ 45 دقيقة، إلى أن استقر الطفل “محمد الدرة” على ساق والده، بلا حراك.