خلال الأيام المقبلة، وكلما اقترب موعد أداء الرئيس عبد الفتاح السيسي لليمين الدستورية، ليبدأ فترة ولايته الثانية، سيتصاعد الحديث عن الحكومة الجديدة، وقد بدأت بالفعل أحاديث هامسة عن مصير الحكومة الحالية، وانتعشت بورصة الشائعات، سواء فيما يتعلق بالراحلين عن الحكومة، أو القادمين إليها.
وبعيدا عن التكهنات التي لا تستند إلى معلومات دقيقة في هذا الشأن، فمصر من الدول التي تحيط أي تعديل أو تغيير حكومي بسياج كثيف من السرية، وتبقى كثير من الخيارات في هذا الصدد عالقة حتى اللحظات الأخيرة، إلا أن التحليل العميق لأولويات الحكومة في المرحلة المقبلة يكشف أن ثمة خطوط عريضة يمكن تلمسها في أفق الحديث عن التغيير القادم.
أول تلك الأولويات هو الحاجة إلى حكومة تضم مجموعة وزارية اقتصادية يمكنها مواصلة خطوات الإصلاح الاقتصادي المتفق عليها مع المؤسسات الدولية المقرضة لمصر، وأي تغيير جوهري في السياسات المتبعة حاليا، يمكن أن يضر باستقرار النظرة الدولية للاقتصاد المصري، في وقت تسعى فيه القاهرة إلى تثبيت تلك النظرة الإيجابية، وتكريس صورة ذهنية تصب باتجاه تجاوز مصر لحالة الاضطراب، ودخولها في طور الاستقرار.
وبالتالي فإن اختيار المجموعة الاقتصادية سيكون دقيقا للغاية، وأي تغيير بوجوهها سيكون وفق حسابات دقيقة للغاية، وحتى مع دخول أسماء جديدة، سيكون ذلك بعيدا عن أي تغيير في السياسات، بل إن كثير من الترجيحات تشير إلى أن تلك الضرورات الاقتصادية، يمكن أن تصعد بأحد الشخصيات الاقتصادية إلى مقعد رئاسة الوزراء، خلفا للمهندس شريف إسماعيل، أو على الأقل فإن رئيس الحكومة الجديد سيوفر لمجموعته الاقتصادية حرية التحرك، لاستكمال طريق الإصلاح الاقتصادي الصعب.
وصعوبة الخطوات القادمة في مسيرة الإصلاح، لاسيما وأن الحكومة الجديدة ستكون مضطرة لاتخاذ قرارات جماهيرية صعبة، في الأسابيع الأولى، وربما في الأيام الأولى لتوليها المسئولية، سواء برفع أسعار الوقود، أو خفض الدعم عن الكهرباء، تفرض على الحكومة الجديدة أن تتمتع بأداء سياسي فعال وقادر على امتصاص رد فعل الشارع، إزاء القرارات المقبلة، خاصة أنها تأتي في توقيت يتوقع فيها المواطنون حصاد ثمار ما زرعوه من صبر طوال السنوات الماضية، وتجاوز الأوقات العصيبة، وليس تحمل المزيد من الأعباء.
الأداء السياسي لن يكون قاصرا فقط على قضايا الشارع، بل سيمتد إلى ملفات سياسية حيوية، فالحكومة المقبلة سيكون عليها إدارة انتخابات المحليات التي تكرر تأجيلها على مدى أكثر من سنتين، ويبدو أن الأمر لا يحتمل مزيدا من الإرجاء، وقد يمتد الأجل بالحكومة المقبلة إلى عام ٢٠٢٠، وهو موعد الانتخابات البرلمانية، وهي كلها استحقاقات مهمة تحتاج إلى أداء سياسي وشعبي يصب في مصلحة الدولة، واستعادة قوتها، ولا يخدم خصومها المتربصين، الذين يتحينون الفرصة للنفاذ إلى الشارع عبر عثرات السلطة.
ولن يقتصر الأمر أيضا على الملفات الداخلية فقط، فالحكومة القادمة تنتظرها تحديات إقليمية ذات انعكاسات داخلية، وأهمها ملف سد النهضة، إذ ستضطر الحكومة الجديدة إلى التعامل مع حكومة أثيوبية جديدة أيضا، بعد تغيير شمل ١٦ وزيرا، وسط تحولات جوهرية في البنية العرقية للسلطة في أديس أبابا، إضافة إلى التحولات المتلاحقة في السودان وليبيا، وكذلك استمرار التحديات الأمنية المتعلقة بمكافحة الإرهاب، وكلها أمور تتطلب رؤية وأداء سياسيا يتجاوز أداء التكنوقراط الذي التزمته الحكومات الأخيرة.