يرى البعض أن الذئاب حيوانات قاتلة مسعورة ومرعبة، أما البعض الآخر فيعتبرها نماذج جميلة للطبيعة في أكثر صورها البرية وضوحا.
للذئاب صورتان معروفتان لدى الناس. إحداها تثير مشاعر الخوف بسبب اللعاب الذي يسيل من فمها لحظة تطاير الشرر من أعينها، وبسبب أنها تعقر الأطفال، وتقتل الماشية. لكنها في نفس الوقت تثير الإعجاب بسبب قوة مجتمعاتها، وتمركزها معا في إطار عائلي، ولأنها من المعالم الرئيسية للطبيعة البرية.
تعد مثل هذه المعتقدات المتطرفة عن الذئاب مترسخة بين الناس، لكن جذور تلك المعتقدات تنبع من التاريخ، وليس من الواقع المعاصر. وفي براري أوروبا وأمريكا الشمالية التي أدت فيها الذئاب إلى تغيرات بيئية كبيرة، حان الوقت لإعادة التفكير فيما تعنيه تلك الذئاب.
كم هو عدد الذئاب الموجودة في أوروبا؟ إذا طلب مني أن أجيب عن هذا السؤال قبل عام، لاقترحت أن هناك 1000 ذئب. كنت سأبدو مخطئا بشكل كبير.
“إذا ما عدنا إلى سبعينيات القرن الماضي، كنا سنتحدث عن أنواع قابلة للانقراض،” كما يقولجون لينّيل، من المعهد النرويجي لأبحاث الطبيعة في مدينة تروندهايم، وعضو مبادرة الحفاظ على الحيوانات الكبيرة آكلة اللحوم في أوروبا، وهي مباردة تابعة للاتحاد الدولي للحفاظ على الطبيعة.
على مدى الأربعين سنة الماضية، تزايدت أعداد الذئاب عبر القارة الأوروبية بشكل لا يصدق. يقول لينّيل: “في الوقت الراهن، يجري الحديث عما يقرب من 12 ألف ذئب في أوروبا.” ثم يشير إلى ما يدل على أنه خلال نفس الفترة، تزايدت أعداد الذئاب في الولايات المتحدة الأمريكية بسرعة فائقة أيضاً.
ذلك يعني أن هناك ذئاباً كثيرة. وبالتالي، فهل يوجد شيء من الحقيقة في الفكرة التي تقول إن الذئاب تشكل خطراً كبيرا على البشر؟
اقرأ أيضا:نجوم مصريين أصلهم مش مصرى .. متصدمش لما تعرفهم
ويضيف لينّيل: “إذا ألقينا نظرة على التاريخ الأوروبي، سنلاحظ وجود الكثير من الدلائل على أن الذئاب قد قتلت العديد من الناس خلال القرون الماضية.”
في المناطق الريفية التي استوطنها البشر بشكل مكثف، حيث سادت فيها تربية الماشية، وكان الأطفال يعملون كرعاة لها، هاجمت الذئاب الناس بالفعل. يقول لينّيل: “ينطبق هذا الوصف على معظم مناطق أوروبا حتى نهاية القرن التاسع عشر.”
ثم هناك الخطر الإضافي الآتي من الذئاب المسعورة. يضيف لينّيل: “خلال فترة محدودة جداً، يمكن لذئب مسعور أن يغطي مسافات واسعة. ويمكنه أثناءها أن يعقر أي كائن لا يهرب من أمامه. قبل اكتشافنا علاجا لداء السُعار، كان يعني ذلك حكماً بالموت.”
لا زالت هناك أماكن في عالمنا تختلف عن غيرها بمخاطر التعرض لهجوم الذئاب. ففي واقعة موثّقة بشكل جيد، حصلت في الهند، جنّ جنون ذئب مسعور فهاجم أكثر من عشرة أشخاص في ست قرى خلال يوم واحد. ولقي ثلاثة من المصابين حتفهم، “كانت جروحهم خطيرة في الوجه والرقبة”.
قبل بضعة سنين، حصلت واقعة مماثلة في تركيا عندما هاجم ذئب وجه رجل في الستين من عمره كان جالساً في حديقة منزله. لقد نجح الرجل في مصارعة ذلك الذئب حتى قتله، لكن بعد أن أصابته عضة الذئب. توفي الرجل بعد أسبوع تقريباً، ويرجح أن ذلك كان بسبب داء السُعار نتيجة عضة الذئب.
رغم ذلك، فالأمور مختلفة نوعاً ما في معظم بقاع أوروبا وأمريكا الشمالية في عصرنا الراهن. لا يوجد أطفال بين الرعاة، وهناك عدد قليل من حالات الإصابة نتيجة سُعار الذئاب. لذا، فإن احتمالات وقوع هجوم لذئب لا تشغل بال أحد، بحسب رأي لينّيل.
على النقيض تماماً من تصوير الذئب بهيئة شيطانية، ظهرت رؤية بديلة خلال الخمسين سنة الماضية. لكن هذه الرؤية، كمثيلتها الخيالية السابقة، تصور الذئب كوحش يعشقه الناس بسبب مقدرته وسطوته.
احتضنت تلك الفكرة حركة روحية يطلق عليها اسم “العصر الجديد”. وما أضاف قوة إلى هذه الفكرة أيضا هو الاعتراف المتزايد بأنه يمكن لأهم الحيوانات المفترسة، مثل الذئاب، أن تؤثر بعمق على التنوع البيولوجي، وغالباً ما تزيده ثراءً.
كانت أفضل وسيلة للتعرف على هذه الرؤية للذئاب هي من خلال معرفة ما جرى في “متنزه يلوستون الوطني” في الولايات المتحدة الأمريكية.
في عشرينيات القرن الماضي، قام موظفو الحكومة الأمريكية بعملية إبادة لذئاب متنزه يلوستون. أصبح المتنزه خالياً من الذئاب لمدة 70 سنة لاحقة. ثم جاء عام 1995، وبعد عقدين من التخطيط، حصل مناصرو الحفاظ على البيئة على الضوء الأخضر لنشر الذئاب الكندية في ذلك المتنزه.
كان لإعادة الذئاب إلى المتنزه دور في تغيير البيئة تماماً في ذلك المكان. كان أكثر تأثير فوري واضح هو أعداد الظباء، التي كان عددها عند إعادة الذئاب للمتنزه 16 ألف ظبي. ففي عام 2004، انحسر عدد تلك الظباء ليصل إلى النصف، أي 8000 ظبي فقط.