أول ما يلفت نظر الإنسان عند زيارته لأى من مدن كيرلا الهندية (أو كيريللا، كما ينطقها أهلها) هو الخضرة الممتدة بلا حدود وجمال الطبيعة الساحرة التى تخطف الألباب وتشعر معها أنك دخلت جنة الله فى بلاد الهند.
وتقع كيريللا -الولاية الاستوائية- على الساحل الجنوبى لشبه القارة الهندية على المحيط الهندي، حيث الأمطار الموسمية والنباتات الاستوائية الكثيفة ونخيل جوز الهند، والغابات الاستوائية والجبال الملتفة بالأشجار والقنوات المائية. ولن تقع عين الزائر لها أبداً على صحراء أو بقعة جرداء، وانما فقط خضرة بلا حدود تلف كافة مناطق الولاية.
وكيريللا عبارة عن شريط ساحلى تبلغ مساحته 38.863 كيلومتراً مربعا، وتضم 14 مقاطعة، ويبلغ عدد سكانها 34.8 ملايين شخص (طبقا لتعداد عام 2012)، ينتمون إلى ديانات عديدة، تشمل الهندوسية (نحو40% من السكان) والإسلام (نحو 24.7%) والمسيحية ( حوالى 19%) بالدرجة الأولى، وثمة أقليات تتبع البوذية واليهودية والقاديانية وغيرها.
لكن هذه النسب قد تختلف من مدينة إلى أخرى. ويتعايش أهل مختلف هذه الديانات بسلام، وتوجد دور العبادة لكل ديانة دون مشكلات. كما تتجاور محال الأغذية والمطاعم الخاصة بهذه الديانات أو العامة التى تراعى أيضا الطعام الخاص بكل من أتباع أى من هذه الديانات.
ورغم أن المرافق السياحية فى معظم عموم الهند ليست على المستوى المأمول، إلا أن الشعب الهندى هو شعب طيب ودود، ويبدو هذا فى مختلف مناطق كيريللا، ربما أكثر من العاصمة نيودلهى مثلا، وإن كانت الحكومة الهندية لاتزال متشددة مع كثير من الجنسيات فى مسألة التأشيرات.
بدأت رحلتى إلى الهند بمدينة دلهى (التى يستغرق السفر إليها بالطائرة من دبى نحو 3 ساعات ونصف إلى 4 ساعات)، مرورا بمدينة أجرا فى ولاية أتار براديش شمالى الهند (حيث تاج محل أحد أهم المعالم الهندية)، وانتهاءً بمدينة كوتشى (التى تبعد عن دلهى بالطائرة نحو 3 ساعات) إحدى أجمل مدن كيريللا فى الجنوب الغربى من شبه القارة الهندية.
ورغم مشاهداتى الكثيرة فى دلهى ونيودلهى وأجرا، إلا أن روعة وسحر الطبيعة فى كيريللا قد استحوذ على تماما، خصوصا وأن الرحلة كانت فى أوج الصيف، وبينما كانت درجة الحرارة فى دلهى فى الأربعينيات المئوية إذا بها تهبط بما لا يقل عن 10 درجات فى كوتشي.
صحيح أن جو دلهى كان جافا، بينما كان جو كيريللا رطبا، إلا أن سحر الطبيعة والمطر الموسمى المتصل، كان لهما أثر السحر على نفسى ونفوس كل من زاروا هذه المنطقة الرائعة.
وأول ما لفت انتباهى فى مطار كوتشي، هو مبناه الفريد الذى يشبه فيلات وقصور أوائل القرن الماضي، مع لمسات هولندية وانجليزية لا تخطئها العين. حتى إنك لولا وجود المسافرين والمودعين أمامه لما أدركت أنه مطار. والغريب أننى حينما بدأت تصوير الواجهة الرائعة للمطار فوجئت برجل أمن يطلب منى عدم التصوير، رغم أن المطار مدنى وسياحي، ولا يوجد مانع فى تصوير واجهته من الخارج.
أما أول ما لفت انتباهى فى الطريق من المطار إلى الفندق، فكان حجم العمل الجاد من سلطات المدينة فى الطرق وإنشاء جسر كبير أو خط مترو، يربط المطار بالمدينة، علاوة على أعمال البنية التحتية الجارية على قدم وساق.
ولفت انتباهى أيضا الوجود الواضح للمرأة فى شرطة المرور داخل المدينة وعلى طرقها الرئيسية. وكان من الأشياء ذات التأثير الطيب على النفس أن نرى محلات هندية لافتاتها بالعربية، ومحلات أخرى ومكاتب وفروع لشركات إماراتية كبيرة على امتداد الطريق من المطار إلى الفندق.
وفى الفندق كان الحفل البهيج الذى نظمته فلاى دبى واعتمد على الفنون الشعبية الهندية التراثية (الكاثاكالي)، والرقصات التقليدية لراقصين يرتدون أقنعة وملابس خاصة بالمعتقدات الهندية، والمؤديات للفنون والأغانى الهندية بلغة الملايالم الخاصة بأهل كيريللا.
ويعد فن (الكاثاكالي) الذى يشبه إلى حد كبير فن (الكابوكي) اليابانى من أهم الفنون التى تتميز بها مدينة كوتشي، ويقوم على أداء قصصى غنائى راقص يحفل بحكايات أسطورية.
“كوتشى” هى المدينة الأهم فى منطقة ارناكولام بولاية كيريللا، كانت تعرف سابقا باسم كوشين أو كوتشين. وهى واحدة من المدن الساحلية على الساحل الغربى للهند. وتعتبر محطة الوصول لأغلب السياح العرب، وهى مزدحمة نسبيا عن ترافيندروم التى هى عاصمة الولاية.
وكانت تجارة التوابل هى المحرك لاقتصاد كيريللا، لعدة قرون، وخاصة الفلفل الأسود. والى الآن تعتبر كوتشى المدينة الاقتصادية لكيريللا وذلك بفضل مينائها. ومؤخراً بدأت الهند بتصنيع أول حاملة طائرات وطنية فى حوض بناء السفن بمدينة كوتشي، حيث توجد قيادة القوات البحرية الهندية فى جنوب البلاد.
وبخلاف الطبيعة الغناء، تتواجد فى كوتشى عدة معالم، منها حصن كوتشى، وقصر بولجوتى، وكنيسة سانت فرانسيس، وسوق كوتشى الدولية للفلفل، بالإضافة إلى أسواقها الشعبية، حيث تتميز كوتشى بكونها منطقة تسوق، حيث الأسعار المعقولة، وجودة البضائع.
كما تتميز الأسواق الشعبية فيها بوجود منتجات وتذكارات مصنوعة يدوياـ وبأسعار بخسة، مع إمكانية المساومة على السعر، حتى أنه بإمكان السائح شراء الهدايا بأقل من نصف السعر الذى يعرضه البائع.
ومن المزارات أيضا جزيرة (فايبين) و(ويلنجرون) التى تعرف بفندقها الفخم ذى الهندسة المعمارية التى يصعب ايجاد مثيل لها وفندق (مالبار كوتشين) الذى تستطيع من شرفاته التمتع بمشاهدة الصيادين فى البحر ورؤية السفن وهى راسية على الميناء والقصر الهولندى بحى (ما تنشري) الذى شيده أحد البرتغاليين.
شباك الصيد الصينية
ثمة مزارات تاريخية وكنائس أثرية ومعبد يهودى ونصب تذكارية، كما توجد منطقة الصيادين التى تعد معلما مهما من معالم المدينة والهند عموما حيث شباك الصيد الصينية، وهى طريقة قديمة فى الصيد فريدة من نوعها جلبها الصيادون من الصين إلى ساحل كوتشي، وهى عبارة عن شباك ضخمة معلقة فى ذراع تعليق يتجاوز طولها قرابة الثلاثين مترا.
وفى الطرف الآخر يوجد ثقل وبين الطرفين محور يتحرك فوقه الطرفان صعودا وهبوطا، بحيث يتم إنزال الشباك فى الماء ثم رفها عبر هذا الثقل لأخذ ما علق بها من أسماك ثم إعادتها إلى الماء ثانية ويتم تكرار العملية كل فترة تتراوح بين ربع ونصف الساعة.
وتتميز كوتشى كمعظم مدن الهند وخاصة مدن ولاية كيريللا باهتمامها بالمهرجانات فيخرج الكبار والصغار للاحتفال بالمهرجانات فى الشوارع ويقوموا بتوزيع الحلوى على الناس فى الشوارع سواء كانوا من أهل المدينة أو السائحين وأبرز رموز فى هذه المهرجانات والاحتفالات هو الفيل الذى يرمز إلى أشياء كثيرة ومن المهرجانات الشهيرة فى كوتشي.
وهناك مهرجان أونام وهو مهرجان حصاد رأس السنة فى ولاية كيريللا، ويقام بين أغسطس وسبتمبر ولمدة أسبوع ، وقد قامت الهيئات السياحية فى الولاية بتقديم عدد من المهرجانات السياحية التى تجمع بين الاحتفالات القديمة والعصرية ويمكن للسياح الاشتراك بها .
وكيريللا – شأن كثير من مدن الهند – غنية بمهرجاناتها التقليدية، والمحدثة أيضاً.
ومن المهرجانات الكبيرة «مهرجانات سباق القوارب» و»بورامس» و»مهرجانات الفيلة» ، ويعتبر مهرجان «تيسوبورام» أحد أروع المهرجانات فى المنطقة ، وهو مهرجان سنوى يقام فى «تريسور» فى الفترة بين أبريل ومايو ويتقدم موكب المهرجان عادة 30 فيلا مزينة بالألوان والسلاسل البراقة.
ومن الاحتفالات الشعبية الرائعة عدد من سباقات القوارب التى تقام وسط المناظر الطبيعية الخلابة والمياه الزرقاء وتستحوذ على إعجاب المتفرجين وحماسهم، ومنها سباقات القوارب على كاس نهرو كل ثانى يوم سبت من أغسطس، وسباق راجيف غاندى للقوارب ويقام كل آخر سبت من أغسطس، وسباق قوارب شاماكولام ويقام فى شهر يوليو من كل عام
. وتحظى هذه الرياضة بقبول شعبى كبير واهتمام واسع من الزوار. وقد شهدت أحد هذه السباقات من شرفة فندق مريديان كوتشي، حيث جرى السباق انطلاقا من شاطئه.
* الشلالات
ثمة شلالات شهيرة تخلب الألباب، فى كيريللا، ومنها شلال بالاروفى ويقع على بعد حوالى 75 كيلومتر من منطقة كولام وارتفاعه أكثر من 300 قدم ، وشلال أثيرابالى على بعد نحو 78 كيلومتر من كوشى وارتفاعه أكثر من 80 قدم و»شلال آزاتشال» وهو على بعد 90 كلم من كوتشى على مسافة قصيرة من «أثيرابالى وهو جزء من نهر شالاكودى ويخترق هذا الشلال غابة رائعة .
وثمة أماكن مهمة يمكن زيارتها مثل: حديقة الفراشات الواقعة على طريق اثيرابالي، بالإضافة إلى بعض الملاهى ومدن الألعاب للأطفال.
وبخلاف كوتشي، هناك عشرات المدن فى كيريللا التى تعج بالمزارات الأخرى. والتى تحتاج إلى صفحات وصفحات.
* كيريلا… أو خير الله
سألت أحد العاملين بالسياحة فى مدينة كوتشى التابعة لولاية كيريللا عن النطق الصحيح لاسم الولاية، هل هو “كيرلا” كما ننطقها أم “كيريللا” كما سمعتها من العديدين من أهلها، فابتسم الرجل قائلا: بل هى “كيريللا”. ثم أردف متسائلا: هل تعرف سر التسمية: قلت لا. قال هناك من يقول إن كيريللا فى الأصل اسم عربى محرف عن كلمتى «خير الله».
وهى فى رأى بعض أهلها جنة الله التى شقتها فأس الفارس كما تقول الأسطورة التى يتناقلها هؤلاء عن نشأة الولاية، وهى بالقطع أسطورة وليست تاريخا واقعيا.
وتذكر تلك الأسطورة (وهى هندوسية على ما يبدو) أن محارباً يدعى “باروسوراما” ظل يقاتل بالفأس طوال 24 عاما. لكنه شعر بتأنيب الضمير لما سفكه من الدماء على مر تلك السنين فهرب إلى الجبال الغربية طالبا المغفرة، وحينما أخلص فى توبته، تلقى وعداً بأن يوهب قطعة من الأرض بمساحة المسافة التى قد تقطعها فأسه عند رميها.
بحيث تكون تلك الأرض مصدر عيش وحياة للكثير من البشر والخلائق. عندها استجمع (باروسوراما) قواه ورمى فأسه، وتنتهى الأسطورة بالقول إنه ما ان حطت الفأس على المياه حتى جفت مياه البحر، وأضافت إلى الهند مساحة 38.863 كيلومترا مربعا، هى مساحة كيريللا.