غيرت التوجهات الجديدة للسياسة النقدية من قبل البنك المركزي، والتي يستهدف من خلالها تشجيع الاستثمار عبر خفض أسعار الفائدة بعد نجاحه في تحجيم معدلات التضخم خلال العام والنصف الماضيين، من الخارطة الادخارية بالبنوك خاصة في ظل التوقعات المستقبلية بانخفاض العائد وعدم وضوح الرؤية بشأن تأثير الموجة التضخمية المقبلة الناتجة عن خفض الدعم .
كانت التوقعات المستقبلية طوال السنوات الماضية تنبأ برفع أسعار الفائدة في ظل استمرار ارتفاع التضخم، وزادت هذه التوقعات عقب تحرير أسعار الصرف والتي رفعت أسعار الكثير من السلع بأكثر من 100% وحفزت البنك المركزي لزيادة الفائدة لجذب المدخرات ومحاربة التضخم، وهو ما دفع البنوك لطرح أوعية متوسطة وقصيرة الأجل مرتفعة العائد .
وفي فبراير الماضي بدء البنك المركزي خفض الفائدة بواقع 100 نقطة مئوية مع تراجع معدلات التضخم السنوي لنحو 14.4%، وظهور آثار تشديد السياسة النقدية من قبل البنك المركزي، وهو ما دفع بنوك الأهلي ومصر لإلغاء الشهادة مرتفعة العائد 20% لأجل عام ونصف وإصدار شهادة جديدة لمدة عام بعائد 17%، وخفض الفائدة على الشهادة الثلاثية من 16% إلى 15%، بعدما جمعتا نحو 725 مليار جنيه للبنكين .
ثم جاء التخفيض الثاني للفائدة من قبل البنك المركزي نهاية مارس الماضي بواقع 100 نقطة مئوية أخرى، لتسجل الفائدة على الإيداع 16.75% و17.75% للإقراض، وهو ما قابله بنكا الأهلي ومصر بإلغاء الشهادة ثابتة العائد بفائدة 17% يوم الخميس الماضي وإصدار أخرى بعائد أعلى 0.25% من سعر الإيداع لدى البنك المركزي ولكن بعائد متغير مرتبط بالكوريدور
ويشير القرار الأخير من بنكي الأهلي المصري ومصر إلى تعديل كبير في خارطة الأوعية الادخارية بالبنوك المحلية، حيث لم تصبح البنوك ساعية وراء السيولة النقدية مثلما كان الحال خلال العام والنصف الماضيين، بل لجأت بعض البنوك للاعتماد بشكل أكبر على الأوعية متغيرة العائد حتى لا تتحمل مخاطر تكلفة الأموال المرتفعة في ظل توجهات البنك المركزي المستقبلية بخفض الفائدة مرات أخرى.
وتشير توقعات بنوك الاستثمار المحلية إلى إقدام البنك المركزي على خفض الفائدة بواقع 200 نقطة مئوية أخرى خلال العام الجاري وعدم تأثر هذا المخطط بالموجة التضخمية التي قد تنشأ عن قرار الحكومة بخفض الدعم وزيادة الأسعار الناتجة عن هذه الخطوة، لتصل الفائدة لنحو 14.75% للإيداع و15.75% للإقراض، هذا بالتوازي مع الالتزام بخفض التضخم لمستوى 13% بزيادة أو نقصان 3% بنهاية العام الجاري .
ومع تحركات بنكي الأهلي المصري ومصر قررت بعض البنوك الاعتماد على الأوعية متغيرة العائد بينما قررت بنوك أخرى خفض الفائدة لمستويات 13 و14% حتى لا تتحمل أموال ذات تكلفة عالية، ومازالت بنوك أخرى تدرس توجهات السوق لتتخذ القرار المناسب لها فيما يتعلق بأسعار الفائدة .
وتحدد البنوك أسعار الفائدة لديها وفقًا لعدد من المحددات منها قرار البنك المركزي بتحديد أسعار العائد الاسترشادية، ومدى احتياجها لجذب أموال بكميات معينة، وتكلفة الإيداعات لديها، وتوجهاتها المستقبلية، وفي مصر توجد لدى البنوك ودائع تتعدى الـ3 تريليونات جنيه بينما تنخفض معدلات توظيف هذه القروض لمستوى نحو 40 – 45% ما يشير إلى وجود أموال طائلة لا تجد قنوات للتوظيف وهو ما يدفعها لتمويل الحكومة عبر أدوات الدين.
وتشير تقارير صحفية إلى أن البنوك تتحرك الفترة المقبلة وفق 4 سيناريوهات تتمثل فى إيقاف الشهادة ثابتة العائد أو إيقافها مع طرح أوعية بديلة أو تحويلها إلى شهادات ذات عائد متغير أو خفض الفائدة عليها .
وتشجع الفائدة المنخفضة الاستثمار المحلي والأجنبي في ظل تراجع تكلفة الاقتراض بينما ينخفض إقبال المواطنين على الادخار بالبنوك بحثًا عن قنوات أخرى توافر عوائد أعلى مثل الاستثمار العقاري أو شراء المشغولات الذهبية.