ليس من المفترض أو الممكن أن تقف أمام قطار أو عربة نقل طائشة أو حتى موتوسيكل بعجلتين، ونعتبر هذا من قبيل العقل والحكمة، لأن النتيجة معروفة مسبقاً، إذن كيف يمكن الوقوف أمام مصير مؤكد تشير إليه تلك العبارة الشهيرة «التدخين يؤدى إلى الوفاة والإصابة بأمراض السدة الرئوية والسرطان»، ثم تستمر فى التدخين، فقط لأن النتيجة السلبية لم تتحقق بعد وإن كانت مؤكدة فى المستقبل؟
عندما تقول لأحدهم عن الخطر الحقيقى الذى يرافق التدخين، تُفاجأ بالإجابة «إيه يا عم إيه إلى جرالك.. ده أنا جدى توفى وعمره 94 سنة، وماكانش عنده أى مرض، مع العلم أنه كان بيدخن علبتين سجاير فى اليوم إيه رأيك؟».
ربما تكمن الإجابة فى أن مرض السدة الرئوية المزمنة، وهو مرض خطير ويعد رابع سبب للوفاة فى البلاد النامية، وتشير التقارير الدولية إلى أنه سيُصبح ثالث سبب للوفاة بحلول عام 2020، ويشكل التدخين السبب الرئيسى للإصابة به، لم يكن يتم تشخيصه بشكل جيد فى الماضى، لكن التقدّم العلمى أدى إلى زيادة نسبة تشخيص المرض واكتشاف أسراره بشكل أوضح، كما أن هناك تفسيراً علمياً آخر سمعته من الدكتور أشرف حاتم أستاذ الأمراض الصدرية والحساسية، يقول إن معظم المدخنين لا يشعرون بحجم الضرر الذى وقع على الرئة إلا إذا خضعوا إلى كشف وظائف الرئة، لأن الإنسان الطبيعى يحتاج إلى أن يتنفّس من 6 إلى 8 لترات فى الدقيقة ليحصل على احتياجات الجسم من الأكسجين، وقدرة الرئة على التنفّس تتراوح ما بين 150 إلى 200 لتر فى الدقيقة، وبالتالى إذا فقدت ربع قدرتها أو نصفها فإن المريض لن يشعر بالفرق، وهذا ما يُفسر أن مرضى الأمراض الصدرية بسبب التدخين لا يشعرون بمقدار الخسارة التى تعود عليهم على الفور.
إن معظم المرضى يعتقدون أن الكحة والبلغم أمر طبيعى، رغم أنها أعراض أساسية للإصابة بمرض السدة الرئوية المزمنة، وهذا المريض يُعتبر من حالات الدرجة الرابعة الخطيرة، لذلك يكون علاجه الأساسى هو التوقّف عن التدخين تماماً وتناول موسّعات شعب ممتدة المفعول.
ورغم أن التحذيرات والحقائق العلمية تؤكد أن الوفيات من الأمراض الناتجة عن التدخين تبلغ ٥٫٤ مليون شخص سنوياً، بمعدل حالة وفاة كل ٦ ثوانٍ، نصيب مصر منها أكثر من 170 ألف حالة وفاة سنوياً، إلا أن ذلك لم يسهم إلا بنسبة ضئيلة فى توقف المدخن عن تدخينه.. بل إن الغالبية الساحقة لا تستمع أو تلتفت إليه، وكأن شيئاً لم يحدث.
والسؤال الذى يفرض نفسه هنا: لماذا يتجاهل المدخن تلك الحقائق الخطيرة المؤكدة التى تهدد حياته؟ هل هو الإدمان؟ إذا كان الأمر كذلك، فمتى سنعترف به وتبدأ المواجهة؟