كلاهما تخرج فى كلية طب قصر العينى، وترك العمل بالطب، واتجه إلى الإعلام والكتابة، الأول اختار أن يكون مفكرا، باحثا عن الحقيقة، لاهثا وراء العلم والإيمان، مُحبا للخير وخادما للفقراء، والثانى آثر أن يكون “أراجوزا، ساخرا، شتاما، مُبتتذلا، راقصا”، وشتان الفارق بين الاثنين، لا يستويان مثلا. كان الدكتور مصطفى محمود ،”1921 – 2009″، كاتبا ومفكرا وفيلسوفا وإعلاميا بارزا، وفى كتاباته الغزيرة والعميقة والمتنوعة، لم يلجأ يوما إلى السطو على أفكار غيره، بل كان هو نفسه، بكل تقلباتها وتحولاتها، من الإيمان إلى الإلحاد، ومن الإلحاد إلى الإيمان، وفى كلًّ.. كان عفّ القلم واللسان، لم ينس يوما أنه طبيب، ولم ينس أنه من طين مصر وترابها، لم ينس أن للعلم احترامه، وأن للأخلاق قيمتها، لم يُضبط يوما مُتلبسا بسرقة كتابات وأفكار غيره، كما لم يُضبط يوما مُبتذلا حتى مع خصومه الذين كانوا يشتدون معه وعليه فى الخصومة، عندما تحيد أفكاره يمينا أو يسارا، الدكتور مصطفى محمود لم يكن يوما لصا، على سنوات عمره المديد، ولكن “باسم طلع حرامى”، ويعلم القاصى والدانى ذلك، سرق مقالات غيره، ليحصل بها على أجر كبير، لا يستحقه، ولا يحتاج إليه، كان مصطفى محمود يحصل على القليل جدا، نظير مقالاته فى صحيفتى الأهرام والأخبار، كان واضحا وصريحا فى خصومته لإسرائيل، ولكن باسم يسرق مقالا لكاتب إسرائيلى، ويتبنى أفكارهم، ويدافع عنها بقوة. يوما ما.. عندما لم تتلوث أخلاق المصريين، كانوا يحتشدون مساء كل اثنين، أمام حلقة جديدة من برنامج “العلم والإيمان”، ليقدم مصطفى محمود لمتابعيه، بأسلوب راق وبسيط ومهذب ، كل ما هو جديد وغريب، من فنون العلم وحقائقه وأسراره، رابطا العلم بالإيمان، كان يرى العلم طريقا مضمونا للإيمان، ولكن باسم وأقرانه.. يرون العلم طريقا للنيل من الدين، والاستهزاء به من طرف خفى أو مباشر. واجه مصطفى محمود صعوبات جمّة، حتى يُبصر برنامجه النور، فالتليفزيون الحكومى، الذى لم يكن هناك سواه، رفض إنتاجه، ولكن أحد رجال الأعمال تبنى الفكرة ، وقدم مصطفى محمود 400 حلقة، تجسد تراثا عمليا جادا، من يُعد مشاهدة حلقات “العلم والإيمان”، هذه الأيام، يكتشف أن الرجل كان يستشرف المستقبل، تبدو حلقات “العلم والإيمان”، كأنها سُجلت منذ قليل، ولكن التليفزيون الرسمى والخاص، لفظ حلقات العلم والإيمان فى زمن صفوت الشريف، وحجبها، رغم أنه لم ينس يوما ذكرى “الراقصة الفلانية” أو “الفنان العلانى”، كما تم منع الرجل من الكتابة وجرى التضييق عليه ، فلم يلجأ إلى المتاجرة وتقمُص دور البطولة، مثل “باسم”، الذى يتعمد إظهار نفسه فى صورة “البطل والمناضل والمضطهد “، وبدا ذلك عندما تم التشويش على أجزاء من إحدى حلقاته، قيل يومها إن التشويش كان من داخل فضائية إم بى سى نفسها، وليس هذا مستبعدا منها، فهى من لجأت يوما إلى تزوير نسب مشاهدة برامجها. كان مصطفى محمود يرى أن اعترافه بأنّه كان على غير صواب في بعض مراحل حياته، ضربا من ضروب الشجاعة والقدرة على نقد الذات، ولكن باسم يوسف يرفض الاعتراف بشططه وتجاوزاته، يدافع عنها باستماتة وغرابة، يسخر من منتقديه بابتذال لا يجاريه فيه أحد، لا يخجل من ترديد ألفاظ وعبارات، يراها كثيرون خادشة للحياء، يرغى ويزبد، يغريه في ذلك، تصفيق من يكرهون الحياء، ويرونه شُعبة من شُعب التخلف والرجعية. ظل مصطفى محمود 30 عاما غارقا في الكتب، والتأمل مع النفس، وتقليب الفكر على كل وجه، ليقطع الطرق الشائكة، من الله والإنسان إلى لغز الحياة والموت، حتى وصل إلى ما اعتقده أنه درب اليقين، 30 عاماً من المعاناة والشك والنفي والإثبات، 30 عاماً من البحث عن الله، حتى اهتدى إليه، قرأ خلالها عن البوذية والبراهمية والزرادشتية، 30 عاما، أنهاها بأروع كتبه وأعمقها : “حوار مع صديقي الملحد”، و”رحلتي من الشك إلى الإيمان”، و”التوراة”، و “لغز الموت”، و”لغز الحياة”. اشترى مصطفى قطعة أرض من عائد أول كتبه “المستحيل”، وأنشأ به جامعا بحى المهندسين بالجيزة، وألحق به 3 مراكز طبية ومستشفى، لأنه كان محبا للخير، عطوفا على الفقراء والمرضى، فلا يشعر بألم المرض إلا طبيب، ورغم أن باسم طبيب، ورغم دخله الكبير من برنامجه وأنشطة أخرى، فإنه لم يفكر يوما في أن يصنع صنيع مصطفى محمود، مثله يرى مصطفى محمود وأقرانه عبئا على الحياة. تعرض “مصطفى محمود” لهجمة عنيف من أصحاب العمائم بالأزهر، ولكنه لم يستسلم، ولم يبتذل يوما في الرد على خصومه ومنتقديه، بل كان عف اللسان والقلم والأخلاق، ما دفع المفتى الأسبق الدكتور نصر فريد واصل إلى أن يقول عنه: “الدكتور مصطفى محمود رجل علم وفضل ومشهود له بالفصاحة والفهم وسعة الإطلاع والغيرة على الإسلام، فما أكثر المواقف التي أشهر قلمه فيها للدفاع عن الإسلام والمسلمين والذود عن حياض الدين ، وكم عمل على تنقية الشريعة الإسلاميّة من الشوائب التي علقت بها، وشهدت له المحافل التي صال فيها وجال دفاعاً عن الدين”. وكما يمثل مصطفى محمود صنفا من البشر، جُبل على الخير بمفهومه الواسع والعميق، فإن باسم يوسف يمثل، بكل أسف، جيلا جديدا، يرى في سلوكيات العوالم والغوانى أسلوب حياة، كان مصطفى محمود يدرك أن قيمة الإنسان هي ما يضيفه إلى الحياة بين ميلاده وموته، أما باسم يوسف فيرى أن قيمة الإنسان هى قيمة ما يضيفه إلى الحياة من ابتذال بين ميلاده وموته، مات مصطفى محمود، ولكن تراثه ومؤلفاته وكتبه غير المسروقة، أبقته وسوف تبقيه طويلا في الذاكرة العربية، ولكن مثل باسم يوسف، يطويه النسيان فور مروره.