أعلن أحمد السقا منذ سبع سنوات جملته الفوضوية الشهيرة على لسان شخصية «منصور» فى فيلم الجزيرة: « من النهارده مافيش حكومة.. أنا الحكومة!»، وكأنها كانت نبوءة لحالة فوضى أصابت مصر حينما انهارت حكومتها وشرطتها بعد الثورة ودخلت فى دوامة من الفوضى، واختلطت الأمور حتى صار من الصعوبة تحديد من يدير هذه الفوضى، وتضاربت التحليلات بين اتهامات للأمن، والبلطجية، وطرف ثالث غامض، وإخوان، وفوضويين، وجهاديين إرهابيين .
ولكن الحقيقة الواضحة التى كان يراها الجميع ويصورها ويوثقها بالموبايل فى الشوارع هى وجود الفوضى والعبث والانفلات الأمنى غير المسبوق التى صنعت حالة ارتباك وصراعات التقطتها الدراما التى صاغها الثلاثى محمد وخالد وشيرين دياب بالاشتراك مع شريف عرفة الذى شارك فى بناء الشخصيات وإخراج أحد أهم أفلام الأكشن المصرية فى السنوات الأخيرة التى تدور فى خلفية أجواء ما بعد ثورة يناير، وقد تطورت القصة المستوحاة من شخصية تاجر المخدرات والسلاح عزت حنفى الذى كوّن إمبراطورية إجرامية فى الصعيد فى التسعينيات إلى صراع أوسع تجاوز صراع الداخلية ومافيا المخدرات والسلاح إلى منطقة حساسة تماست فيها الجريمة والإرهاب والسياسة وجهاز أمنى يعانى فشل ويحاول النهوض مرة أخرى .
اما فى الجزء الثانى يصك بطل الفيلم منصور الذى هرب من السجن الذى تم اقتحامه فى أثناء الثورة جملة جديدة وهى: « لما الكبير يكسر القانون .. يبقى قانون »، وهناك كثير من القوانين تحطمت تحت أقدام الشخصيات فى الفيلم بعد دخول عناصر جديدة فى خريطة الجريمة والنفوذ على الجزيرة، يكسر الفيلم قانون الجزء الأول وهو تقديم فيلم جريمة وأكشن خالص تدور أحداثه فى إطار تجارة المخدرات والسلاح فى جزيرة بعيدة فى صعيد مصر، ويسمح السيناريو بدخول مساحة من الإسقاط السياسى تتسع لتصبح محورا رئيسيا من محاور الجزء الجديد الذى حاول الحفاظ على حالة فيلم الأكشن والدراما كما فى الجزء الأول .
الأحداث التى تنتهى فى الجزء الأول بالقبض على منصور بعد معركة ملحمية مع الشرطة تنتقل إلى أبعاد أخرى، حينما تعم الفوضى البلاد وتنهار الشرطة وتُعاد صياغة النفوذ داخل الجزيرة، فتصعد كريمة (هند صبرى) إلى القمة لتحل محل منصور، وتتسلل جماعات الرحالة بقيادة زعيمهم جعفر (خالد صالح) إلى مجتمع الجزيرة الذى كان يرفضهم سابقا.
وهنا يتجه الفيلم إلى زاوية أخرى وهى قضية صراع الهوية بين أهل الجزيرة وعلى رأسهم منصور وكريمة ينضم إليهم ضابط الداخلية فى مقابل جعفر وجماعته الإرهابية التى تسعى للسيطرة على الجزيرة وأهلها، وكما أفسدت السياسة كل شىء فى الواقع أفسدت الجزيرة بصراع يبدو فى ظاهره بين قوى ظلامية تستغل الدين وهم الرحالة والطرف الآخر هم شخصيات منصور وكريمة والضابط الفاسد، وهناك خلل جعل الصراع نفسه مرتبكا دراميا فى بعض الأحيان رغم اجتهاد السيناريو فى زرعه داخل نسيج الأحداث، فهو واقعيا صراع بين أطراف فاسدة ومجرمة وشريرة على القوة والسلطة والنفوذ ومن أجل الثأر أيضا، لكن بعض إشارات وحوار الشخصيات «منصور- كريمة- الضابط» قد توحى بأنه صراع بين الخير والشر، الوحيد الذى يظهر شريرا ولا يبرر نفسه جعفر الذى يطلب من أتباعه الطاعة العمياء.
يبرز الفيلم الجانب الإنسانى لشخصية منصور من عدة زوايا، هو الآن أب لشاب هارب من سمعة والده وثأر يهدد حياته، يعيش الشاب فى كنف عمه الأخرس بالإسكندرية، ويعيد منصور وابنه بعض تفاصيل العلاقة بينه وبين والده فى الجزء الأول، الشاب فى صراع بين واقع أنه ولى عهد إمبراطورية جريمة صنعها جده ووالده، وبين حياة جديدة بعيدة عن عالم الجريمة كان يود بناءها بصحبة فتاة سكندرية أحبها.
على جانب آخر تتطور قصة حب منصور وكريمة المجهضة منذ بدايتها إلى حالة عداء وصراع على النفوذ وإن كان هناك شىء ما يلمع بين الحين والآخر بين الاثنين يؤكد أن حبهما لا يزال موجودا وإن كان مدفونا تحت ركام الكراهية والثأر.
يتناول الفيلم أزمة الداخلية فى أثناء الثورة من خلال تبرير خالد الصاوى لسلوك الشرطة، هو واحد من قتلة المتظاهرين وتتم محاكمته، ويلخص له وزير الداخلية المسجون بصحبته رؤيته للمستقبل حينما يخبره أن العسكرى السجان ما دام يؤدى له التحية، فكل شىء آخر مجرد شكليات، وبنوع من الذكاء يترك السيناريو الموقف من الداخلية متأرجحا، بعض القيادات تقر أنها جزء من أخطاء النظام الأسبق، ومن جهة أخرى تظهر الداخلية أنها ضحية مؤامرة كبرى، يظهر الضابط المتحيز للقانون (خليل مرسى) عاجزا أمام أى تجمهر أمام وزارة الداخلية.
الفيلم يبدأ وينتهى بمشهدى أكشن هما الأطول فى الفيلم، البداية من خلال مشهد طويل يصور عملية اقتحام سجن وادى النطرون، وعلى جانب مواز يصور الفيلم فى نفس الوقت عملية اقتحام إحدى مديريات الأمن من خلال المتظاهرين الغاضبين، والأخير يصور المعركة الكبرى بين جميع الأطراف ، ولم يغفل الفيلم حالة الحب المكبوت والحرب المعلنة بين منصور وكريمة .
لكن الأحداث تكاثرت وتشعبت حتى أثقلت إيقاع الفيلم فى بعض المناطق منها الزيجات الثلاثة لمنصور وشقيقه وولده، فى حين كانت هناك حاجة إلى منح شخصية جعفر وتاريخها تفاصيل أكثر، وكذلك علاقة الضابط (خالد الصاوى) بعائلته.
الفيلم حرص على أن تكون الأوضاع السياسية خلفية للأحداث، منذ تتر البداية تعلم أن زمن الأحداث بين يوم ٢٤ يناير ٢٠١١ ومنتصف عام ٢٠١٢، وهى فترة شهدت قمة ذروة الفوضى وصعدت فيها جماعة الإخوان إلى الحكم، ويركز الفيلم على صعود جماعة الرحالة الذين يقودهم شخص غامض هو جعفر الذى يجسده الراحل خالد صالح فى واحد من أفضل أدواره، وكما حذر بشخصية حاتم أمين الشرطة فى «هى فوضى» من ثورة ضد الداخلية يحذر من خلال شخصية جعفر من خطر الجماعات المتطرفة التى تختبئ فى الظل لا يعرف أحد جذورها ولا ولاء لهم لأرض أو وطن، وهم مثل الجراد يدمرون كل مكان يذهبون إليه.
عناصر الجذب فى الفيلم عديدة، أهمها صراع الأداء بين الأربعة الكبار أحمد السقا وهند صبرى وخالد صالح وخالد الصاوى، يضاف إليهم أروى جودة ونضال الشافعى، وينجح شريف عرفة فى تقديم جزء ثان من فيلم أكشن ناجح. مشاهد اقتحام السجون ومديريات الأمن تم تنفيذها بصورة جيدة، التصوير والموسيقى التصويرية والديكور والملابس أسهمت كلها فى تحقيق حالة ملحمية جديرة بالمشاهدة، والمؤسف أننا لن نشاهد خالد صالح مرة أخرى كما شاهدناه متألقا فى فيلمه الأخير.