تشهد منطقة الخليج انتعاشاً كبيراً للصحافة الإلكترونية، مع انتشار عشرات المواقع والصحف والمدونات متفاوتة الاهتمام والتخصص، وإن كان للعمل الصحافي والإخباري بينها الرصيد الأكبر والقسط الأهم، بعد التنبه إلى السهولة النسبية، والتأثير الفوري والمباشر، وسعة الانتشار لهذه الوسائل ما جعلها تتناسخ وتتناسل بشكل مثير للانتباه والتساؤل في أكثر الأحيان.
ومن العناوين اللافتة الكثيرة التي انتشرت في السنوات القليلة الماضية، العناوين ذات التوجه السياسي الخالص، لكن إذا كانت الأهداف السياسية معلنة وواضحة فإن الأهداف الحقيقية والاستراتيجية تبقى في حاجة إلى جهد وتنقيب ومتابعة لربط هذه المواقع بجهة أو توجه، رغم محاولتها الظهور بمظهر الجزر الحرة، وغير المرتبطة بمصالح أو توجهات معينة، من ذلك عدد من المواقع التي اعتمدت عند تقديم نفسها وسط الحشد الهائل من العناوين الذي يكتظ به الإعلام الإلكتروني أو الجديد، ربط نفسها بالجديد، والحديث، والعصري، من نوع العربي الجديد، والعربي 21، في إشارة إلى القرن الجديد، والخليج الجديد، وفي أحيان أخرى العناوين التي توحي بالفخامة والريادة، بعد شراء حقوق امتياز العنوان الأصلي مثل هافنغتون بوست العربي، أو غيرها.
ولكن العناوين المذكورة أعلاه، ورغم اشتراكها في الجديد، أوالحديث، إلا أنها بطريقة أو بأخرى لا تبتعد كثيراً عن إعادة إنتاج الإعلام الذي تميزت به قناة الجزيرة القطرية منذ بدايتها، القائم على الاستعداء، والترويج للإخوان المسلمين سياسياً وإعلامياً، والافتعال الصحافي، لتحقيق هذه الأهداف مجتمعةً، بعد طي مرحلة “الربيع العربي” في 2011.
وبالنظر إلى التغطيات التي تعتمدها هذه العناوين لابد من رصد بصمات القائمين السابقين والحاليين على الجزيرة، والساهرين على المشروع وفروعه، من وضاح خنفر، إلى عزمي بشارة، وغيرهما من الذين افتتحوا منصات إعلامية مختلفة الاختصاصات، وأهمها على الإطلاق، ضرب المشروع الخليجي باستهداف إما السعودية أوالإمارات منفردتين، في أحيان كثيرة، أو بمحاولة ضرب العلاقة بينهما في أحيان عديدة أخرى.
وفي الأشهر والأسابيع القليلة الماضية، حفلت هذه المواقع الإخبارية المدعومة قطرياً، إذا لم تكن مملوكة لها، في تقاريرها الواردة من لندن حيناً ومن مصادرها الخاصة في أبوظبي طوراً، أو في الرياض في مرات أخرى، بأخبار عن “خلافات عميقة” و”انزعاج كبير” وغيرها من النعوت والصفات والتوصيفات التي “تطبع العلاقات بين البلدين” خاصة بسبب اليمن وحرب التحالف ضد الانقلابيين.
وللتدليل على ذلك، يكفي النظر إلى ما حفلت به هذه المواقع من مواضيع وتقارير خاصة وانفرادات عن هذا الموضوع مثلاً والذي يُعد من الاختصاصات الموقوفة على موقع عربي 21.
وبالعودة إلى مايو الجاري لا يندهش المتابع من كمية وعدد المواضيع التي خصصها الموقع للخلافات السعودية الإماراتية في اليمن، حتى حفل الموقع في اليوم الواحد بأكثر من موضوعين أو ثلاثة مواضيع عن “الخلاف” والفرقة والانزعاج الذي لم يره غير الموقع وفريق تحريره، من ذلك وبتاريخ 11 مايو (أيار) مثلاً: “عدن على صفيح ساخن .. هل تتحرك الإمارات عسكرياً ضد هادي؟” بسبب انزعاج أبوظبي من قرب الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي من السعودية.
وبتاريخ 15 مايو لم يتردد الموقع الأغر في نشر تقرير خطير بعد ما يُعرف بأزمة الجنوب، والدعوات الانفصالية وإعلان مجلس أعلى في الجنوب، وغيرها من التحولات التي شهدتها عدن: “مجلس أبوظبي الانفصالي بعدن” على أساس أن الإمارات وراء التحركات الجنوبية، للتصدي للنفوذ السعودي في اليمن.
وفى 17 مايو وفي إطار التوجه نفسه طرح الموقع السؤال الوجودي الهام: “هل تسعى الإمارات لإزاحة السعودية عن قيادة الخليج والمنطقة؟”.
ولو رغب المتابع في البحث والمتابعة لخرج بقائمة لا آخر لها عن المواضيع الصحافية التي نشرها الموقع خدمةً للإعلام والصحافة الحرة، وبلا خلفيات أو نوايا مبيتة.
ولا يختلف الوضع كثيراً في موقع العربي الجديد مثلاً، الذي يعتمد مواقف مطابقة لتوأمه 21، من العلاقات السعودية الإماراتية، ومن العلاقات الخليجية الخليجية، أو من علاقات دول المنطقة بالعالم، مثل القمة العربية الإسلامية الأمريكية، التي حولها الموقع إلى منصة إخوانية بامتياز بعد مهاجمة القمة، وبرنامج عملها، ومكافحة الإرهاب، بدايةً برسم الكاريكاتور المُهين لترامب يركل خليجياً جاثياً على ركبته لمد سجاد أحمر حيك من الدولارات الأمريكية، عشية وصول الرئيس الأمريكي إلى الرياض.
ولم يتوقف الأمر على الكاريتكاتور وحده، بل خصص الموقع مقالات ومواضيع تكشف زاوية تعامله ومن يقف وراءه مع القمة، بعناوين من جنس: “صفقة ترامب في الرياض: بيع السلاح مقابل شراء الأمن” الصادر الإثنين، بعد الهاشتاق الذي روجه الموقع “صفقة ترامب في الرياض”.
ولا يتوقف العربي الجديد، عن استغلال كل الفرص الممكنة لقصف جبهات أخرى هادئة مستغلاً الظرف المناسب، والأحداث، من ذلك نشر مقال غريب فى 20 مايو مثلاً عن المغرب الأقصى قال فيه، إن دول الخليج قلصت مساعداتها إلى الرباط بـ78%، وذلك في الوقت الذي استعرت فيه الاحتجاجات في منطقة الحسيمة، وخروج المظاهرات في عاصمة الريف المغربي، علماً أن دول الخليج باستثناء البحرين وعمان، ملتزمة منذ 2011 بدعم المغرب والأردن، بما بين 1.3 و1.5 مليار دولار سنوياً.
وإذا نظرت إلى ثالث المواقع المعنية بهذا التقرير هافنغتون بوست عربي ومواضيعه المشابهة، ستدرك حتماً أن الوضع لا يختلف كثيراً عن الشقيقين المذكورين أعلاه، مثل خبر نشره الموقع الأحد، عن “تمويل السعودية والإمارات صندوقاً تشرف عليه ابنة ترامب بـ 100 مليون دولار”، بالتزامن مع هاشتاق ابنة ترامب.
ورغم تعرض الموقع إلى السعودية، والإمارات، بطريقة فجة في أكثر من مناسبة، فإنه يعمد إلى ذلك بطريقة أقل فجاجة من نظيريه، وذلك ربما لخلفيته الإخوانية الصريحة، بسبب إشراف الإخواني الفلسطيني وضاح خنفر، رئيس الجزيرة السابق، شخصياً على الموقع، لتكون المقالات والمواضيع من نوع ما نشره الموقع الإثنين بعد نهاية قمة الرياض بعنوان: “وعود ووعيد.. انتهاء القمة الإسلامية الأمريكية في الرياض بمشاركة 55 دولة”.
وبالنظر إلى هذه العينات البسيطة، يُمكن للقارئ في النهاية أن يطرح السؤال، لمصلحة من تعمل هذه المواقع، وأي علاقة لقطر بها؟